ثم ههنا لعطف خبر على خبر وترتيبه عليه كأنه تعالى أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ليذكر الله عند المشعر الحرام وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس بعرفات كما كان جمهور الناس يصنعون يقفون بها إلا قريشا فإنهم لم يكونوا يخرجون من الحرم فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الحل ويقولون نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن حازم حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وسائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الاسلام أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله " من حيث أفاض الناس " وكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي وغيرهم واختاره ابن جرير وحكى عليه الاجماع. وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو عن مجاهد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أضللت بعيرا لي بعرفة فذهبت أطلبه فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - واقف قلت إن هذا من الحمس ما شأنه ههنا؟ أخرجاه في الصحيحين ثم رواه البخاري من حديث موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس ما يقتضي أن المراد بالإضافة ههنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار فالله أعلم. وحكاه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم فقط. قال: والمراد بالناس إبراهيم عليه السلام وفي رواية عنه: الامام. وقال ابن جرير: ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح.
وقوله " واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " كثيرا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثا. وفي الصحيحين أنه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين. وقد روى ابن جرير ههنا حديث ابن عباس بن مرداس السلمي في استغفاره - صلى الله عليه وسلم - لامته عشية عرفة وقد أوردناه في جزء جمعناه في فضل يوم عرفة. وأورد ابن مردويه ههنا الحديث الذي رواه البخاري عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها في ليلة فمات في ليلته دخل الجنة ومن قالها في نومه فمات دخل الجنة " وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن أبا بكر قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " والأحاديث في الاستغفار كثيرة.
فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا أتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق (200) ومنهم من يقول ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (201) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب (202) يأمر تعالى بذكره والاكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها وقوله " كذكركم آباءكم " اختلفوا في معناه فقال ابن جريج عن عطاء هو كقول الصبي أبه أمه يعني كما يلهج الصبي يذكر أبيه وأمه فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك. وكذا قال الضحاك والربيع بن أنس وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات. ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم. فأنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - " فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " قال ابن أبي حاتم: وروى السدي عن أنس بن مالك وأبي وائل وعطاء بن أبي رباح في أحد قوليه وسعيد بن جبير وعكرمة في أحد رواياته ومجاهد والسدي وعطاء الخراساني والربيع بن أنس والحسن وقتادة