وأنشد أبو الدرداء يوما:
يريد المرء أن يؤتى مناه * ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ومالي * وتقوى الله أفضل ما استفادا وفي سنن ابن ماجة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ".
الذين يؤمنون بالغيب...
قال أبو جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب بن رافع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: الايمان التصديق، وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما يؤمنون يصدقون وقال معمر عن الزهري:
الايمان العمل، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس يؤمنون يخشون.
قال ابن جرير: والأولى أن يكونوا موصوفين بالايمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا وقد تدخل الخشية لله في معنى الايمان الذي هو تصديق القول بالعمل، والايمان كلمة جامعة للايمان بالله وكتبه ورسله وتصديق الاقرار بالفعل " قلت " أما الايمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى " يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " وكما قال إخوة يوسف لأبيهم " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال كقوله تعالى " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فأما إذا استعمل مطلقا فالايمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا. هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعا: أن الايمان قول وعمل ويزيد وينقص وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة. ومنهم من فسره بالخشية كقوله تعالى " إن الذين يخشون ربهم بالغيب " وقوله " من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " والخشية خلاصة الايمان والعلم كما قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وقال بعضهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة وليسوا كما قال تعالى عن المنافقين " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون " وقال " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " فعلى هذا يكون قوله بالغيب حالا أي في حال كونهم غيبا عن الناس.
وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد، قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى " يؤمنون بالغيب " قال يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كله. وكذا قال قتادة بن دعامة وقال السدى عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن، وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بالغيب قال بما جاء منه - يعني من الله تعالى - وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر قال الغيب القرآن وقال عطاء بن أبي رباح من آمن بالله فقد آمن بالغيب وقال إسماعيل بن أبي خالد يؤمنون بالغيب قال بغيب الاسلام وقال زيد بن أسلم الذين يؤمنون بالغيب قال بالقدر. فكل هذه متقاربة في معنى واحد لان جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الايمان به.
وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا عند