وتحقيقه أن المؤمنين كالنفس الوحدة، وقيل في قوله تعالى: * (ولا تلمزوا أنفسكم) * (الحجرات: 11) أي إخوانكم من المؤمنين، وفي قوله: * (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) * (النور: 12) أي بأمثالهم من المسلمين، وكقوله: * (فسلموا على أنفسكم) * (النور: 61) أي ليسلم بعضكم على بعض. ثم قال المفسرون: أولئك التائبون برزوا صفين فضرب بعضهم بعضا إلى الليل. الوجه الثاني: أن الله تعالى أمر غير أولئك التائبين بقتل أولئك التائبين فيكون المراد من قوله: * (اقتلوا أنفسكم) * أي استسلموا للقتل، وهذا الوجه الثاني أقرب لأن في الوجه الأول تزداد المشقة لأن الجماعة إذا اشتركت في الذنب كان بعضهم أشد عطفا على البعض من غيرهم عليهم فإذا كلفوا بأن يقتل بعضهم بعضا عظمت المشقة في ذلك ثم اختلفت الروايات، فالأول: أنه أمر من لم يعبد العجل من السبعين المختارين لحضور الميقات أن يقتل من عبد العجل منهم، وكان المقتولون سبعين ألفا فما تحركوا حتى قتلوا على ثلاثة أيام، وهذا لقول ذكره محمد بن إسحاق. الثاني: أنه لما أمرهم موسى عليه السلام بالقتل أجابوا فأخذ عليهم المواثيق ليصبروا على القتل فأصبحوا مجتمعين كل قبيلة على حدة وأتاهم هارون بالاثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل البتة وبأيديهم السيوف، فقال التائبون: إن هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين السيوف فاتقوا الله واصبروا فلعن الله رجلا قام من مجلسه أو مد طرفه إليهم أو اتقاهم بيد أو رجل يقولون أمين، فجعلوا يقتلونهم إلى المساء وقام موسى وهارون عليهما السلام يدعوان الله ويقولان البقية البقية يا إلهنا فأوحى الله تعالى إليهما، قد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي، قال: وكان القتلى سبعين ألفا، هذه رواية الكلبي. الثالث: أن بني إسرائيل كانوا قسمين: منهم من عبد العجل ومنهم من لم يعبده ولكن لم ينكر على من عبده، فأمر من لم يشتغل بالإنكار بقتل من اشتغل بالعبادة، ثم قال المفسرون: إن الرجل كان يبصر والده وولده وجاره فلم يمكنه المضي لأمر الله فأرسل الله تعالى سحابة سوداء، ثم أمر بالقتل فقتلوا إلى المساء حتى دعا موسى وهارون عليهما السلام وقالا: يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية فانكشفت السحابة ونزلت التوراة وسقطت الشفار من أيديهم.
السؤال السادس: كيف استحقوا القتل وهم قد تابوا من الردة والتائب من الردة لا يقتل؟ الجواب: ذلك مما يختلف بالشرائع فلعل شرع موسى عليه السلام كان يقتضي قتل التائب عن الردة إما عاما في حق الكل أو كان خاصا بذلك القوم.
السؤال السابع: هل يصح ما روي أن منهم من لم يقتل ممن قبل الله توبته؟ الجواب: لا يمتنع ذلك لأن قوله تعالى: * (إنكم ظلمتم أنفسكم) * خطاب مشافهة فلعله كان مع البعض أو إنه كان عاما فالعام قد يتطرق إليه التخصيص.
أما قوله تعالى: * (ذلكم خير لكم عند بارئكم) * ففيه تنبيه على ما لأجله يمكن تحمل هذه المشقة وذلك لأن حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وضرر الآخرة، والأول أولى بالتحمل لأنه