شئ ما فصل بينه وبين غيره، ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين: حدود، لفصولها بين ما حد بها وبين غيره، فكذلك قوله: * (تلك حدود الله) * معناه: هذه القسمة التي قسمها لكم ربكم، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من موتاكم في هذه الآية على ما فرض وبين في هاتين الآيتين حدود الله، يعني: فصول ما بين طاعة الله ومعصيته في قسمكم مواريث موتاكم، كما قال ابن عباس. وإنما ترك طاعة الله، والمعني بذلك حدود طاعة الله اكتفاء بمعرفة المخاطبين بذلك بمعنى الكلام من ذكرها. والدليل على صحة ما قلنا في ذلك قوله: * (ومن يطع الله ورسوله) *... والآية التي بعدها: * (ومن يعص الله ورسوله) *.
فتأويل الآية إذا: هذه القسمة التي قسم بينكم أيها الناس عليها ربكم مواريث موتاكم، فصول فصل بها لكم بين طاعته ومعصيته، وحدود لكم تنتهون إليها فلا تتعدوها، وفصل منكم أهل طاعته من أهل معصيته فيما أمركم به من قسمة مواريث موتاكم بينكم، وفيما نهاكم عنه منها. ثم أخبر جل ثناؤه عما أعد لكل فريق منهم، فقال لفريق أهل طاعته في ذلك: * (ومن يطع الله ورسوله) * في العمل بما أمره به والانتهاء إلى ما حده له في قسمة المواريث وغيرها، ويجتنب ما نهاه عنه في ذلك وغيره، * (يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) *، فقوله: * (يدخله جنات) * يعني: بساتين تجري من تحت غروسها وأشجارها الأنهار * (خالدين فيها) * يقول: باقين فيها أبدا، لا يموتون فيها، ولا يفنون، ولا يخرجون منها. * (وذلك الفوز العظيم) * يقول: وإدخال الله إياهم الجنان التي وصفها على ما وصف من ذلك الفوز العظيم يعني: الفلح العظيم.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: * (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله) *... الآية، قال: في شأن المواريث التي ذكر قبل.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
* (تلك حدود الله) * التي حد لخلقه وفرائضه بينهم من الميراث والقسمة، فانتهوا إليها ولا تعدوها إلى غيرها. القول في تأويل قوله تعالى: