عن السدي، قال: لما برز رسول الله (ص) يوم أحد إليهم - يعني إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجه خيل المشركين، وقال: لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا خوات بن جبير. ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين، فهزماهم، وحمل النبي (ص) وأصحابه، فهزموا أبا سفيان، فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين قدم، فرمته الرماة فانقمع. فلما نظر الرماة إلى رسول الله (ص) وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادروا الغنيمة، فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول الله (ص)!
فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر، فلما رأى خالد قلة الرماح، صاح في خيله، ثم حمل فقتل الرماة، وحمل على أصحاب النبي (ص)، فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل، تبادروا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم، فأتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة، فرمى رسول الله (ص) بحجر فكسر أنفه ورباعيته، وشجه في وجهه فأثقله، وتفرق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة، فقاموا عليها، وجعل رسول الله (ص) يدعو الناس: إلي عباد الله!
إلي عباد الله! فاجتمع إليه ثلاثون رجلا، فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف، فحماه طلحة، فرمي بسهم في يده فيبست يده، وأقبل أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي (ص)، فقال النبي (ص): بل أنا أقتلك - فقال: يا كذاب أين تفر؟ فحمل عليه فطعنه النبي (ص) في جنب الدرع، فجرح جرحا خفيفا، فوقع يخور خوران الثور، فاحتملوه وقالوا: ليس بك جراحة، قال: أليس قال: لأقتلنك؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم. ولم يلبث إلا يوما أو بعض يوم حتى مات من ذلك الجرح. وفشا في الناس أن رسول الله (ص) قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي، فنأخذ لنا أمنة من أبي سفيان! يا قوم إن محمدا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم! قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد (ص)! اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل. وانطلق رسول الله (ص) يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة، فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه،