ولا معنى لقول من قال: إنما كان يختار الكسر في قوله: * (مسومين) * لو كان في البشر، فأما الملائكة فوصفهم غير ذلك ظنا منه بأن الملائكة غير ممكن فيها تسويم أنفسها إمكان ذلك في البشر وذلك أن غير مستحيل أن يكون الله عز وجل مكنها من تسويم أنفسها بحق تمكينه البشر من تسويم أنفسهم، فسوموا أنفسهم بحق الذي سوم البشر طلبا منها بذلك طاعة ربها، فأضيف تسويمها أنفسها إليها، وإن كان ذلك عن تسبيب الله لهم أسبابه، وهي إذا كانت موصوفة بتسويمها أنفسها تقربا منها إلى ربها، كان أبلغ في مدحها لاختيارها طاعة الله من أن تكون موصوفة بأن ذلك مفعول بها.
ذكر الاخبار بما ذكرنا من إضافة من أضاف التسويم إلى الملائكة دون إضافة ذلك إلى غيرهم، على نحو ما قلنا فيه:
حدثني يعقوب، قال: أخبرنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: إن أول ما كان الصوف ليومئذ، يعني يوم بدر، قال رسول الله (ص):
تسوموا فإن الملائكة قد تسومت.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مختار بن غسان، قال: ثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن الزبير بن المنذر، عن جده أبي أسيد، وكان بدريا، فكان يقول: لو أن بصري معي ثم ذهبتم معي إلى أحد، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر قد طرحوها بين أكتافهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) * يقول: معلمين، مجزوزة أذناب خيلهم ونواصيها، فيها الصوف أو العهن، وذلك التسويم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: * (بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) * قال:
مجزوزة أذنابها وأعرافها، فيها الصوف أو العهن، فذلك التسويم.