وكما سنشير - بعد حين - إلى إرادة الله وحكمه، فإن حكم الزكاة قد نزل من قبل في مكة، لكن لا على نحو وجوب جمعها في بيت المال، بل كان الناس يؤدونها ذاتيا، أما في المدينة فإن قانون جباية الزكاة وجمعها في بيت المال قد صدر من الله تعالى في الآية (103) من سورة التوبة.
إن الآية التي نبحثها، والتي نزلت يقينا بعد آية وجوب الزكاة - وإن لم يسبق لها ذكر في القرآن الكريم - تبين الموارد المختلفة التي تصرف فيها الزكاة. ومما يلفت النظر أن الآية بدأت بكلمة (إنما) الدالة على الحصر، وهي توحي بأن بعض الأفراد الأنانيين أو المغفلين كانوا يطمعون في أن يحصلوا على نصيب من الزكاة بدون أي وجه لاستحقاقهم لها، لكن كلمة (إنما) ردت أيديهم في أفواهم. وهذا المعنى تبينه الآيتان اللتان سبقت هذه الآية، حيث ذكرت أن هؤلاء كانوا يعترضون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدم إعطائهم شيئا من الزكاة، ويرضون عنه إذا أعطاهم شيئا منها.
وعلى أي حال، فإن الآية قد بينت - بوضوح - الموارد الحقيقة التي تصرف فيها الزكاة، وأنهت التوقعات غير المنطقية وحددت موارد صرف الزكاة في ثمانية أصناف:
1 - الفقراء.
2 - المساكين: وسيأتي البحث في نهاية تفسير الآية عن الفرق بين الفقير والمسكين.
3 - العاملين عليها: وهم الذين يسعون في جباية الزكاة، وإدارة بيت المال، وما يعطى لهم هو في الواقع بمنزلة أجرة عملهم، ولهذا لا يشترط فيهم الفقر على أي حال.
4 - المؤلفة قلوبهم: وهم الذين لا يوجد لديهم الحافز والدافع المعنوي القوي من أجل النهوض بالأهداف الإسلامية وتحقيقها، ولكن ويمكن استمالتهم بواسطة بذل المال لهم، والاستفادة منهم في الدفاع عن الإسلام وتحكيم دولته، وإعلاء