والثاني: أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى!...
العبارات المتقدمة في الوقت الذي تبين حال المنافقين في عدم النفع من أعمالهم، فهي في الحقيقة تبين علامة أخرى من علائمهم في الوقت ذاته، وهي أن المؤمنين الواقعيين يمكن معرفتهم من نشاطهم عند أداء العبادة، ورغبتهم في الأعمال الصالحة التي تتجلى فيهم بإخلاصهم.
كما يمكن معرفة حال المنافقين عن طريق كيفية أعمالهم، لأنهم يؤدون أعمالهم عادة دون رغبة ومكرهين، فكأنما يساقون إلى عمل الخير سوقا.
وبديهي أن أعمال الطائفة الأولى (المؤمنين) لما كانت تصدر عن قلوب تعشق الله مقرونة بالتحرق واللهفة، فإن جميع الآداب ومقرراتها مرعية فيها. إلا أن الطائفة الثانية لما كانت أعمالها تصدر عن اكراه وعدم رغبة، فهي ناقصة لا روح فيها، وهكذا تكون البواعث المختلفة في أعمال الطائفتين تظفي على الأعمال شكلين مختلفين.
وفي آخر الآية - من الآيات محل البحث - يتوجه الخطاب نحو النبي قائلا:
فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم.
فهي وإن كانت نعمة بحسب الظاهر، إلا أنه إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون.
وفي الواقع فإنهم يعذبون عن طريقين بسبب هذه الأموال والأولاد، أي القوة الاقتصادية والإنسانية:
فالأول: إن مثل هؤلاء الأبناء لا يكونون صالحين عادة، ومثل هذه الأموال لا بركة فيها، فيكونان مدعاة قلقهم وألمهم في الحياة الدنيا، إذ عليهم أن يسعوا ليل نهار من أجل أبنائهم الذين هم مدعاة أذاهم وقلقهم، وأن يجهدوا أنفسهم لحفظ أموالهم التي اكتسبوها عن طريق الإثم والحرام.