الأمر!
ومنهم من يقول: حسنا تصنع السفينة، فينبغي أن تصنع لها بحرا، أرأيت إنسانا عاقلا يصنع السفينة على اليابسة. ومنهم من يقول: واها لهذه السفينة العظيمة، كان بإمكانك أن تصنع أصغر منها ليمكنك سحبها إلى البحر.
كانوا يقولون مثل ذلك ويقهقهون عاليا، وكان هذا الموضوع مثار حديثهم وبحثهم في البيوت وأماكن عملهم، حيث يتحدثون عن نوح وأصحابه وقلة عقلهم: تأملوا الرجل العجوز وتفرجوا عليه كيف انتهى به الأمر، الآن ندرك أن الحق معنا حيث لم نؤمن بكلامه، فهو لا يملك عقلا صحيحا!!
ولكن نوحا كان يواصل عمله بجدية فائقة وأناة واستقامة منقطعة النظير لأنها وليدة الإيمان، وكان لا يكترث بكلمات هؤلاء الذين رضوا عن أنفسهم وعميت قلوبهم، وإنما يواصل عمله ليكمله بسرعة. ويوما بعد يوم كان هيكل السفينة يتكامل ويتهيأ لذلك اليوم العظيم، وكان نوح (عليه السلام) أحيانا يرفع رأسه ويقول لقومه الذين يسخرون منه هذه الجملة القصيرة قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون.
ذلك اليوم الذي يطغى فيه الطوفان فلا تعرفون ما تصنعون، ولا ملجأ لكم، وتصرخون معولين بين الأمواج تطلبون النجاة.. ذلك اليوم يسخر منكم المؤمنين ومن غفلتكم وجهلكم وعدم معرفتكم ويضحكون عليكم.
فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم إشارة إلى أنه بالرغم من أن مضايقاتكم لنا مؤلمة، ولكننا نتحمل هذه الشدائد ونفتخر بذلك أولا، كما أن ذلك مهما يكن فهو منقض وزائل، أما عذابكم المخزي فهو باق ودائم ثانيا، وهذان الأمران معا لا يقبلان القياس.
* * *