والخضوع والإخبات إلى دعوة الحق " إنما هو بيان أمور واقعية ترتبط بعضها ببعض، لأن العمل الصالح ثمرة من شجرة الإيمان، فالإيمان الذي ليس فيه مثل هذه الثمرة إيمان ضعيف ولا قيمة له ولا يحسب له حساب، وكذلك التسليم والانقياد والخضوع والاطمئنان لما وعد الله سبحانه، كل ذلك من آثار الإيمان والعمل الصالح.. لأن الاعتقاد الصحيح والعمل النقي أساس وجود هذه الصفات والملكات العالية في المحتوى الداخلي للإنسان.
2 - كلمة " أخبتوا " مشتقة من " الإخبات " وجذرها اللغوي " خبت " على وزن " ثبت " ومعناها الأصلي الأرض المنبسطة الواسعة التي يمكن للإنسان أن يخطو عليها باطمئنان وارتياح، فلذلك استعملت هذه المادة " الخبت والإخبات " في الاطمئنان أيضا.. كما استعملت في الخضوع والتسليم، لأن الأرض التي تبعث على الاطمئنان في السير هي خاضعة ومستسلمة للسائرين، فعلى هذا يمكن أن يكون معنى الإخبات واحدا من المعاني الثلاثة الآتية، كما ويحتمل شموله لجميع هذه المعاني، إذ لا منافاة بينها:
1 - إن المؤمنين حقا خاضعون لله.
2 - إنهم مسلمون لأمر الله.
3 - إنهم مطمئنون بوعود الله.
وفي كل صورة إشارة إلى واحدة من أعلى الصفات الإنسانية في المؤمنين التي ينعكس أثرها على كامل حياتهم!..
الطريف هنا أننا نقرأ في حديث عن أبي أسامة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عندنا رجلا يسمى " كليبا " لا يجئ عنكم شئ إلا قال: أنا أسلم، فسميناه: كليب تسليم، قال: فترحم عليه ثم قال " أتدرون ما التسليم "؟ فسكتنا فقال: هو والله الإخبات، قول الله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إلى ربهم (1).