والثالث: إنه إذا غرق بالنعمة أو نال أقل نعمة، فهو - على العكس من الحالة السابقة - ينسى نفسه وينسى كل شئ ويغفل بما ناله من اللذة والنشاط، فيغدو ثملا مغرورا وينجر إلى الفساد والتجاوز على حدود الله.
والوصف الرابع: إن حاله عند وفور النعمة حالة الفخر، أي يبلغ درجة كبيرة من التكبر.
وعلى كل حال، هذه الأوصاف الأربعة هي ظواهر من ضيق الأفق وقلة الاستيعاب والرؤية.. وهي لا تختص بجماعة معينة من غير المؤمنين وملوثي الفكر، بل هي سلسلة من الأوصاف العامة لجميع هؤلاء..
أما المؤمنون الذين يمتعون بروح كبيرة وفكر عال وصدر رحب ورؤية بعيدة المدى، فلا يهزهم تبدل الدنيا والزمان، ولا ييأسوا لسلب النعمة عنهم، ولا يغرهم إقبال النعمة فيكونوا من الغافلين، لذا ينبغي الدقة والملاحظة في آخر الآية التي تستثني المؤمنين، إذ ورد التعبير فيها عن الإيمان بالصبر والاستقامة إلا الذين صبروا.
3 3 - معيار الضعف النفسي والمسألة الدقيقة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها، هي أنه في الموردين (مورد سلب النعمة بعد إسباغها ومورد إسباغ النعمة بعد سلبها) أشير بكلمة " أذقنا " المشتقة من " الإذاقة " ويراد بها أن نفوس هؤلاء المشركين ضعيفة إلى درجة أنهم لو أعطوا نعمة قليلة ثم سلبت منهم يضجرون وييأسون، كما أنهم إذا ذاقوا نعمة بعد شدة يفرحون ويغترون بها.
3 4 - النعم جميعها مواهب:
الطريف أنه في الآية الأولى عبر عن النعمة بالرحمة ولئن أذقنا الإنسان منا