إلا الظن إذ لا دليل ولا برهان لهم على كلامهم وإن هم إلا يخرصون.
كلمة " الخرص " وردت في اللغة بمعنى الكذب، وكذلك وردت بمعنى الحدس والتخمين، وفي الأصل - كما قاله الراغب في مفرداته - بمعنى حزر الفواكه، ثم تخمينها على الأشجار، ولما كان الحدس والتخمين قد يخطئ أحيانا، فإن هذه المادة قد جاءت بمعنى الكذب أيضا.
وأساسا، فإن اتباع الظن والحدس الذي لا يستند إلى أساس ثابت يجر الإنسان في النهاية إلى وادي الكذب عادة. والاشخاص الذين جعلوا الأصنام شريكة لله سبحانه لم يكن لهم مستند في ذلك إلا الأوهام.. الأوهام التي يصعب علينا اليوم حتى تصورها، إذ كيف يمكن أن يصنع الإنسان تماثيل ومجسمات لا روح لها، ثم يعتبر ما صنعه وخلقه ربا له وأنه هو صاحب إرادته، وأن أمره بيده؟!
يضع مقدراته في يده وتحت تصرفه ويطلب منه حل مشاكله؟! أليست هذه الدعوى من أوضح مصاديق الزيف والكذب؟
بل يمكن استفادة هذا من الآية كقانون كلي عام - بدقة قليلة - وهو أن كل من يتبع الظن والأوهام الباطلة فإنه سينجر في النهاية إلى الكذب.. إن الحق والصدق قائم على أساس القطع واليقين، أما الكذب فإنه يقوم على أساس التخمينات والظنون والشائعات!
ثم ومن أجل إكمال هذا البحث، وتبين طرق معرفة الله، والابتعاد عن الشرك وعبادة الأوثان، أشارت الآية الثانية إلى جانب من المواهب الإلهية التي أودعت في نظام الخلقة والدالة على عظمة وقدرة وحكمة الله عز وجل، فقالت: هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا.
إن نظام النور والظلمة الذي أكدت عليه آيات القرآن مرارا، نظام عجيب وغزير الفائدة، فهو من جهة يضئ عرصة حياة البشر بإفاضة النور في مدة معينة ويحركها ويبعثها على السعي والجد، ومن جهة أخرى فإنه بإرخاء سدول الليل