ومن هنا فإن خطاب الآية الأولى موجه للناس، فهي تقول: لقد جاءكم رسول من أنفسكم، خاصة وأنه قد وردت لفظة من أنفسكم بدل منكم، وهي تشير إلى شدة ارتباط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس، حتى كأن قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ولهذا السبب فإنه يعلم كل آلامهم، ومطلع على مشاكلهم، وشريكهم في غمومهم وهمومهم، وبالتالي لا يمكن أن يتصور صدور كلام منه إلا في مصلحتهم، ولا يخطو خطوة إلا في سبيلهم، وهذا في الواقع أول وصف للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر في هذه الآية.
ومن العجيب أن جماعة من المفسرين الذين وقعوا تحت تأثير العصبية القومية والعربية قالوا: إن المخاطب في هذه الآية هم العرب! أي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جاءكم من هذا الأصل!.
إننا نعتقد أن هذا هو أسوأ تفسير ذكر لهذه الآية، لأنا نعلم أن الشئ الذي لم يجر له ذكر في القرآن الكريم هو مسألة الأصل والعرق، ففي كل مكان تبدأ خطابات القرآن ب يا أيها الناس و يا أيها الذين آمنوا وأمثالها، ولا يوجد في أي مورد " يا أيها العرب " و " يا قريش " وأمثال ذلك.
إضافة إلى أن ذيل الآية الذي يقول: بالمؤمنين رؤوف رحيم ينفي هذا التفسير بوضوح، لأن الكلام فيه عن كل المؤمنين، من أي قومية أو عرق كانوا.
ومما يثير الأسف أن بعض العلماء المتعصبين قد حجموا عالمية القرآن وعموميته لكل البشر، وحاولوا حصره في حدود القومية والعرق المحدودة.
وعلى كل حال، فبعد ذكر هذه الصفة من أنفسكم أشارت الآية إلى أربع صفات أخرى من صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السامية، والتي لها الأثر العميق في إثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم.
ففي البداية تقول: عزيز عليه ما عنتم أي أن الأمر لا ينتهي في أنه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم، بل إنه لا يقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى، فهو يتألم