فقط هم من الناجين، أما الصحابة فلم يشترط عليهم هذا الشرط) (1).
إلا أن هذا الادعاء لا يمكن قبوله، وهو مردود بأدلة كثيرة:
أولا: إن الحكم المذكور في الآية يشمل التابعين أيضا، والمقصود من التابعين - كما أشرنا سابقا - كل الذين يتبعون المهاجرين والأنصار السابقين في معتقداتهم وأهدافهم وبرامجهم، وعلى هذا فإن كل الأمة بدون استثناء ناجية.
وأما ما ورد في حديث محمد بن كعب، من أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر قيد الإحسان في التابعين، أي أتباع الصحابة في أعمالهم الحسنة، لا في ذنوبهم، فهو أعجب البحوث وأغربها، لأن مفهوم ذلك إضافة الفرع إلى الأصل، فعندما يكون شرط نجاة التابعين أن يتبعوا الصحابة في أعمالهم الحسنة، فاشتراط هذا الشرط على الصحابة أنفسهم يكون بطريق أولى.
وبتعبير آخر فإن الله تعالى يبين في الآية أن رضاه يشمل كل المهاجرين والأنصار السابقين الذين كانت لهم برامج وأهداف صالحة، وكل التابعين لهم، لا أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار، الصالح منهم والطالح، أما التابعون فإنه يرضى عنهم بشرط.
ثانيا: إن هذا الموضوع لا يناسب الدليل العقلي بأي وجه من الوجوه، لأن العقل لا يعطي أي امتياز لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما الفرق بين أبي جهل وأمثاله، وبين من آمنوا أولا ثم انحرفوا عن الدين؟
ولماذا لا تشمل رحمة الباري والرضوان الإلهي الاشخاص الذين جاؤوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنوات وقرون، ولم تكن تضحياتهم وجهادهم أقل مما عمله أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل قد امتازوا بأنهم لم يروا نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنهم عرفوه وآمنوا به؟
إن القرآن الذي يقول: إن أكرمكم عند الله أتقاكم كيف يرضى هذا التبعيض والتفرقة غير المنطقية؟