سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم.
في الحقيقة، إن هؤلاء يطرقون كل باب ليردوا منه، فتارة يريدون إثبات براءتهم وعدم تقصيرهم بالاعتذار، وتارة يعترقون بالتقصير ثم يطلبون العفو عن ذلك التقصير، إذ ربما استطاعوا عن إحدى هذه الطرق النفوذ إلى قلوبكم، لكن لا تتأثروا بأي أسلوب من هذه الأساليب، بل إذا جاؤوكم ليعتذروا إليكم فاعرضوا عنهم.
إن هؤلاء يطلبون منكم أن تعرضوا عن أفعالهم، أي أن تصفحوا عنهم، لكنكم يجب أن تعرضوا عنهم، لكن لا بالصفح والعفو، بل بالتكذيب والإنكار عليهم، وهذان التعبيران المتشابهان لفظا لهما معنيان متضادان تماما، ولهما هنا من جمال التعبير وجزالته وبيانه ما لا يخفى على أهل الذوق والبلاغة.
ولتأكيد المطلب وتوضيحه وبيان دليلة عقبت الآية بأن السبب في الاعراض هؤلاء إنهم رجس، ولأنهم كذلك فإن مصيرهم ومأواهم جهنم لأن الجنة أعدت للمتقين الذين يعملون الصالحات، وليس فيها موضع للأرجاس الملوثين بالمعاصي. إن كل العواقب السيئة التي سيلقونها إنما يرونها جزاء بما كانوا يكسبون.
في الآية الأخيرة التي نبحثها هنا إشارة إلى يمين أخرى من أيمان هؤلاء، الهدف منها جلب رضى المسلمين يحلفون لكم لترضوا عنهم.
الفرق بين اليمين في هذه الآية واليمين في الآية السابقة، أن المنافقين في الآية السابقة أرادوا تهدئة خواطر المؤمنين في الواقع العملي أما اليمين التي في هذه فإنها تشير إلى أن المنافقين أرادوا من المؤمنين مضافا إلى سكوتهم العملي إظهار الرضا القلبي عنهم.
الملفت للنظر هنا أن الله تعالى لم يقل: لا ترضوا عنهم، بل عبر سبحانه بتعبير تشم منه رائحة التهديد، إذ تقول عز وجل: فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى