أن الله الغفور الرحيم سيعفي هؤلاء عن الحضور حتما، ويعفو عنهم.
ويستفاد من جملة من الروايات التي نقلها المفسرون في ذيل هذه الآية، أن هذه المجموعات المعذورة لا يقتصر الأمر فيهم على السماح لهم في التخلف وعدم مؤاخذتهم فحسب، بل إن أفرادها لهم من الجزاء والثواب كثواب المجاهدين الذين حضروا وقاتلوا، كل على قدر اشتياقه وتحرقه للمشاركة، فنحن نقف على حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونقرأ: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قفل من غزوة تبوك فأشرف على المدينة قال: " لقد تركتم بالمدينة رجالا ما سرتم في مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه قالوا: " وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال:
حبسهم العذر " (1).
ثم تشير الآية إلى الفئة الرابعة من المعفو عنهم وهؤلاء هم الذين حضروا - بشوق - عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه أن يحملهم على الدواب للمشاركة في الجهاد، فاعتذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لا يملك ما يحملهم عليه، فخرجوا من عنده وعيونهم تفيض من الدمع حزنا وأسفا على ما فاتهم، وعلى أنهم لا يملكون ما ينفقونه في سبيل الله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.
" تفيض " من مادة الفيضان، أي الانسكاب والتساقط بعد الامتلاء، فإن الإنسان إذا أهمه أمر أو دهمته مصيبة، فإذا لم تكن شديدة اغرورقت عيناه بالدموع وامتلأت دون أن تجري، أما إذا وصلت إلى مرحلة يضعف الإنسان عن تحملها سالت دموعه.
إن في هذه دلالة على أن هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا عشاقا ومولهين بالجهاد إلى درجة أنهم لما رخص لهم في البقاء لم يكتفوا بالتأسف والهم لهذه الرخصة، بل إنهم جرت دموعهم كما لو فقد إنسان أعز أصدقائه وأحبائه،