والثاني - أنه لا يغفر الذنب الذي يستحق عليه العقاب إلا الله تعالى.
وقوله: (ولم يصروا على ما فعلوا) فالاصرار هو المقام على الذنب من غير اقلاع منه بالتوبة في قول قتادة. وقال الحسن: هو فعل الذنب من غير توبة والأول أقوى، لأنه نقيض التوبة. وأصله الشد من الصرة والصر شدة البرد، والاصرار إنما هو ارتباط الذنب بالإقامة عليه. وما قاله الحسن هو في حكم الاصرار.
وقوله: " وهم يعلمون " ههنا يحتمل أمرين:
أحدهما - وهم يعلمون الخطيئة ذاكرين لها غير ساهين، ولا ناسين. قال الجبائي، والله عز وجل يغفر للعبد ما نسيه من ذنوبه، وان لم يتب منه بعينه، كما يغفر له ما تاب منه، لأنه قد فعل في حال النسيان جميع ما عليه.
والثاني - وهم يعلمون الحجة في أنها خطيئة. وأما من اجتهد في الاحكام فأخطأ على مذهب من يقول بالاجتهاد، فلا اثم عليه، وكذلك من تزوج بذات محرم من الرضاع أو النسب وهو لا يعلم، أو غير ذلك، فلا إثم عليه بلا خلاف لأنه لم يعلم ذلك، فاقدم عليه، ولا يلزم على ذلك أن يكون الكافر معذورا بكفره إذا لم يعلمه قبيحا، لان الكافر له طريق إلى العلم به، وكذلك نقول: إن من أسلم في دار الحرب، وخرج فاستحل في طريقه الخمر أو لحم الخنزير قبل أن يعلم تحريمها من الشرع، فلا اثم عليه، لأنه في تلك الحال لا طريق له إلى العلم بقبحه.
قوله تعالى:
(أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) (136) آية واحدة.
قوله: " أولئك " إشارة إلى من تقدم وصفهم من المتقين الذين ينفقون في السراء والضراء، ويكظمون الغيظ، ويعفون عن الناس، " وإذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم "، فقال هؤلاء: " لهم جنات