الثاني - أن يكون المراد أنه ليس يمكنك استصلاحهم باتباع قبلتهم لاختلاف وجهتهم، لان النصارى يتوجهون إلى المشرق، واليهود إلى بيت المقدس، فبين الله تعالى: أن رضا الفريقين محال.
الثالث - أن يكون المراد حسم طمع أهل الكتاب من اليهود إذ كانوا طمعوا في ذلك وظنوا انه يرجع إلى الصلاة إلى بيت المقدس، وما جوا في ذكره.
الرابع - انه لما كان النسخ مجوزا قبل نزول هذه الآية، فأنزل الله تعالى الآية، ليرتفع ذلك التجوز.
وقوله: (وما بعضهم بتابع قبلة بعض) قيل في معناه قولان:
أحدهما - قال الحسن، والسدي، وابن زيد، والجبائي: أنه لا يصير النصارى كلهم يهودا، ولا اليهود كلهم يصيرون نصارى أبدا، كما لا يتبع جميعهم الاسلام. وهذا من الاخبار بالغيب.
وقال غيرهم: معناه إسقاط الاعتلال بأنه مخالفة لأهل الكتاب الذين ورثوا ذلك عن أنبياء الله بأمره إياهم به، فكلما جاز أن يخالف بين وجهتهم للاستصلاح جاز ان يخالف بوجهة ثالثة للاستصلاح في بعض الأزمان.
وقد بينا حد الظلم فيما تقدم، واعترضنا قول من قال: هو الضرر والقبيح الذي يستحق به الذم من حيث أن ذلك ينقض بفعل الساهي، والنائم، والطفل، والمجنون - إذا كان بصفة الظلم - فإنه يكون قبيحا وان لم يستحقوا به ذما. ومن خالف في ذلك كان الكلام عليه في موضع آخر. على أن المخالف في ذلك ناقض، فإنه قال: ان الكذب يقع من الصبي ويكون قبيحا. وهذا إذا جاز. هلا جاز ان يقع منه الظلم؟
فان قال: لان العقل للانسان البالغ، يزجر الصبي عن ذلك بالتأديب. قلنا مثل ذلك في الظلم سواء.
قوله تعالى:
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن