دعائهم إلى ربهم، فنزلت هذه الآية، فأعلمه الله أنه ليس إليه فلاحهم وأنه ليس إليه إلا أن يبلغ الرسالة ويجاهد حتى يظهر الدين. وكان الذي كسر رباعيته وشجه في وجهه عتبة بن أبي وقاص، فدعا (ع) عليه الا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا، فمات كافرا قبل حول الحول. وقيل: انه هم بالدعاء عليهم، فنزلت الآية تسكينا له، فكف عن ذلك. وقال أبو علي الجبائي: انه استأذن ربه يوم أحد في الدعاء عليهم، فنزلت الآية، فلم يدع عليهم بعذاب الاستئصال وإنما لم يؤذن فيه لما كان في المعلوم من توبة بعضهم، وإنابته، فلم يجز أن يقتطعوا عن التوبة بعذاب الاستئصال. فان قيل كيف قال " ليس لك من الامر شئ " مع أن له أن يدعوهم إلى الله ويؤدي إليهم ما أمره بتبليغه؟ قيل: لان معناه ليس لك من الامر شئ في عقابهم أو استصلاحهم حتى تقع إنابتهم، فجاء الكلام على الايجاز، لان المعنى مفهوم لدلالة الحال عليه وأيضا فإنه لا يعتد بما له في تدبيرهم مع تدبير الله لهم، فكأنه قال ليس لك من الامر شئ على وجه من الوجوه.
وقوله: " أو يتوب عليهم " قيل في معناه قولان:
أحدهما - أو يلطف لهم بما يقع معه توبتهم، فيتوب عليهم بلطفه لهم.
والاخر - أو يقبل توبتهم إذا تابوا، كما قال تعالى " غافر الذنب وقابل التوب " (1) ولا تصح هذه الصفة إلا لله عز وجل، لأنه يملك الجزاء بالثواب، والعقاب. فان قيل: كيف قال " أو يعذبهم " مع ما في المعلوم من أن بعضهم يؤمن؟ قيل: لأنهم يستحقون ذلك باجرامهم بمعنى أنه لو فعل بهم لم يكن ظلما، وإن كان لا يجوز أن يقع لوجه آخر يجري مجرى تبقيتهم لاستصلاح غيرهم. وقيل في نصب " أو يتوب عليهم " وجهان:
أحدهما - أنه بالعطف على " ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم " " أو يتوب عليهم أو يعذبهم " ويكون " ليس لك من الامر شئ " اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه كما تقول: ضربت زيدا فافهم ذاك وعمرا.