هذا حكاية لقول الحواريين حيث قالوا " آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ". قالوا " ربنا " ومعناه يا ربنا ونصبه، لأنه نداء مضاف. " آمنا " أي صدقنا. وإنما لم يقل رب العباد آمنا للاختصاص بما أنعم به عليهم من الايمان الذي أجابوا إليه دون غيرهم ممن عدل عنه. وإنما قال " ربنا آمنا " على لفظ الخطاب ولم يعدل إلى لفظ الغائب، فكان أبلغ في التعظيم، كما تقول السمع والطاعة للملك، فيكون أفخم من أن يقال: لك أيها الملك، لان المشاهدة أغنت عن التصريح بالخطاب وصار كالاستدلال له مع الغنى عنه وليس كذلك استعماله مع الحاجة إليه، لأنه لا يدل على ابتداء له. فان قيل لم حذف (يا) من يا ربنا آمنا، ولم يحذف من " يا عبادي لا خوف عليكم " (1)؟ قلنا حذف للاستغناء عن تنبيه المدعو، وليس كذلك الثاني لأنه بشارة للعباد ينبغي أن يمد بها لان سماعها ما يسر. وقوله: (واتبعنا الرسول) فالاتباع سلوك طريقة الداعي على الإجابة إلى ما دعا إليه، وليس كل إجابة اتباعا، لان إجابة الدعاء يجوز على الله تعالى ولا يجوز عليه الاتباع. وقوله:
(فاكتبنا مع الشاهدين) قيل معناه قولان:
أحدهما - أثبت أسماءنا مع أسمائهم لنفوز بمثل ما فازوا، وننال من الكرامة مثل ما نالوا، ونستمتع بالدخول في جملتهم والانضمام إليهم. الثاني - يصل ما بيننا وبينهم بالخلة على التقوى، والمودة على سلوك طريق الهدى، وتجنب طريق الردى، وعلى هذا يكونون فيه بمنزلة من كتب عليهم. وحقيقة الشاهد المخبر بالشئ عن مشاهدة، وقد يتصرف فيه، فيقال: البرهان شاهد بحق أي هو بمنزلة المخبر به عن مشاهدة. ويقال هذا شاهد أي معد للشهادة والمراد في الآية الشاهدين بالحق المنكرين للباطل.
قوله تعالى:
(ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (54) آية.