اصطفاها لولادة عيسى (ع) من غير فحل. وفي ظهور الملائكة لمريم قالوا قولين:
أحدهما - أن ذلك معجزة لزكريا (ع)، لان مريم لم تكن نبية، لقول الله تعالى " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " (1). والثاني - أن يكون ذلك برهانا لنبوة عيسى (ع) كما كان ظهور الشهب والغمامة وغير ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وآله قبل بعثة، فالأول قول الجبائي، والثاني قول ابن الاخشاد.
ويجوز عندنا أن يكون ذلك معجزة لها وكرامة، وإن لم تكن نبية لان اظهار المعجزات - عندنا - تجوز على يد الأولياء، والصالحين، لأنها إنما تدل على صدق من ظهرت على يده سواء كان نبيا أو إماما أو صالحا، على أنه يحتمل أن يكون الله تعالى قال ذلك لمريم على لسان زكريا (ع). وقد يقال: قال الله لها، وإن كان بواسطة كما تقول: قال الله للخلق كذا وكذا وإن كان على لسان النبي صلى الله عليه وآله، ولا يحتاج مع ذلك إلى ما قالوه.
قوله تعالى:
(يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) (43) آية واحدة بلا خلاف.
قيل في معنى قوله: " اقنتي " ثلاثة أقوال:
أحدها - قال سعيد بن جبير أن معناه اخلصي لربك العبادة. الثاني - قال قتادة معناه أديمي الطاعة. الثالث - قال مجاهد اطلبي القيام في الصلاة. وأصل القنوت الدوام على الشئ. وقوله: (واسجدي) وأصل السجود الانخفاض الشديد للخضوع قال الشاعر:
فكلتاهما خرت واسجد رأسها * كما سجدت نصرانة لم تحنف (2) وكذلك القول في الركوع إلا أن السجود أشد انخفاضا. وقد بينا فيما