وثالثها - قالوا: إن معناه: من أين شئتم: أي اأتوا الفرج من أين شئتم، وليس في ذلك إباحة لغير الفرج. وهذا أيضا ضعيف، لأنا لا نسلم أن معناه الفرج، بل عندنا معناه: اأتوا النساء، أو اأتوا الحرث من أين شئتم، ويدخل فيه جميع ذلك.
ورابعها - قالوا: قوله في المحيض " قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " فإذا حرم للأذى في الدم، والأذى بالنجو أعظم منه. وهذا أيضا ليس بشئ، لان هذا حمل الشئ على غيره من غير علة، على أنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله:
" قل هو أذى " غير النجاسة، بل المراد أن في ذلك مفسدة، ولا يجوز أن يحمل على غيره إلا بدليل يوجب العلم على أن الأذى بمعنى النجاسة حاصل في البول، ودم الاستحاضة ومع هذا، فليس بمنهي عن الوطئ في الفرج.
ويقال: أن هذه الآية نزلت ردا على اليهود، وأن الرجل إذا أتى المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول، فأكذبهم الله في ذلك، ذكره ابن عباس، وجابر، ورواه أيضا أصحابنا. وقال الحسن: أنكر اليهود إتيان المرأة قائمة، وباركة، فأنزل الله إباحته بعد أن يكون في الفرج، وهو السبب الذي روي، ولا يمنع أن يكون ما ذكرناه مباحا، لان غاية ما في السبب أن تطابقه الآية، فأما أن لا تتعداه، فلا يجب عند أكثر المحصلين (1).
وقوله: " وقدموا لأنفسكم " أي قدموا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها عباده، ورغبهم فيها، فتكون ذخرا عند الله.
ووجه اتصال قوله: " وقدموا لأنفسكم " بما قبله: أنه لما قدم الامر بعد أشياء قيل: " قدموا لأنفسكم " بالطاعة فيما أمرتم به، واتقوا مجاوزة الحد فيما بين لكم، وفي ذلك الحث على العمل بالواجب الذي عرفوه، والتحذير من مخالفة ما ألزموه.
وقوله: " وبشر المؤمنين " فالبشارة: الدلالة على ما يظهر به السرور في