مالا تحق إلا له. فان قيل لم قال: (لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء) ولم يقل لا يخفى عليه شئ على وجه من الوجوه إذ كان أشد مبالغة؟ قيل: ليعلمنا أن الغرض علم ما يستسر به في الأرض أو في السماء. ولان الافصاح بذكر ذلك أعظم في النفس وأهول في الصدر مع الدلالة على أنه عالم بكل شئ إلا أنه على وجه التصرف في العبارة عن وجوه الدلالة. فان قيل: لم قال " لا يخفى عليه شئ " ولم يقل عالم بكل شئ في الأرض والسماء؟ قيل لان الوصف بأنه " لا يخفى عليه شئ " يدل على أنه يعلمه من كل وجه يصح أن يعلم منه مع ما فيه من التصرف في العبارة، وإنما قلنا: لا يخفى عليه شئ من حيث كان عالما لنفسه. والعالم للنفس يجب أن يعلم كل ما يصح أن يكون معلوما. وما يصح أن يكون معلوما لا نهاية له، فوجب أن يكون عالما به وإنما يجوز أن يعلم الشئ من وجه دون وجه، ويخفى عليه شئ من وجه دون وجه من كان عالما بعلم يستفيده: - العلم حالا بعد حال -. فأما من كان عالما لنفسه، فلا يجوز أن يخفى عليه شئ بوجه من الوجوه.
قوله تعالى:
(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (6) آية واحدة.
اللغة:
التصوير: جعل الشئ على صورة لم يكن عليها. والصورة: هيئة يكون عليها الشئ بالتأليف. والفرق بين الصورة والصيغة أن الصيغة: عبارة عما وضع في اللغة لتدل على أمر من الأمور، وليس كذلك الصورة، لان دلالتها على جعل جاعل قياسية. والأرحام: جمع رحم وأصله. الرحمة، وذلك لأنها مما يتراحم به ويتعاطف يقولون: وصلتك رحم. وأصل الصورة: الميل يقولون صاره يصوره: إذا أماله، فهي صورة لأنها مائلة إلى بنية بالشبه لها.