وقوله تعالى:
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (8) آية.
المعنى:
هذه حكاية عن الراسخين في العلم الذين ذكرهم في الآية الأولى، القائلين " آمنا به كل من عند ربنا " القائلين " ربنا لا تزغ قلوبنا " وقيل في معنى لا تزغ قلوبنا قولان:
أحدهما - " لا تزغ قلوبنا " عن الحق بمنع اللطف الذي يستحق معه أن تنسب قلوبنا إلى الزيغ. والثاني - قال أبو علي معناه لا تزغ قلوبنا عن الثواب بعد أن دعوتنا إليه ودللتنا عليه، ولا يجوز أن يكون المراد لا تزغ قلوبنا عن الايمان، لأنه تعالى كما لا يأمر بالكفر كذلك لا يزيغ عن الايمان. فان قيل: هلا جاز على هذا أن يقولوا: ربنا لا تظلمنا، ولا تجر علينا؟ قلنا لان في تجر علينا تسخط السائل لاستعماله ممن جرت عادته بالجور، وليس كذلك " لا تزغ قلوبنا " على معنى سؤال اللطف، وإن كان لا يجوز في حكمته تعالى منع اللطف. كما لا يجوز فعل الجور وذلك بمنزلة سؤال الملائكة في قولهم " فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم " (1) والله لا يجوز عليه خلف الوعد، كما لا يجوز عليه فعل الجور يبين ذلك قوله: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " (2) ومعناه فلما مالوا عن الحق نسب الله قلوبهم إلى الزيغ، لما كانت عليه. وإنما أضاف الزيغ إلى القلب، وإن كان المراد به الجملة لان القلب أشرف الأعضاء، وهو محل السرور، والغم فلذلك خص بالذكر.