التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٢ - الصفحة ١٤٧
رحيم وإن لم ينتهوا، الجواب: إن معناه فان الله غفور لهم رحيم بهم، ويجوز فان الله يغفر لهم، لأنه غفور رحيم، واختصر الكلام لدلالة ما تقدم على أنه في ذكرهم وإن الذي اقتضى انتهاءهم إنما هو ذكر المغفرة لهم، فكان الدلالة عليها بغير إفصاح عنها أحسن لما في ذلك من الايجاز، والإحالة على الاستدلال لتمكين الاشعار لمتضمن الكلام، والمغفرة: تغطيه الذنب بما يصير به بمنزلة غير الواقع في الحكم.
قوله تعالى:
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193) آية.
المعنى:
هذه الآية ناسخة للأولى التي تضمنت النهي عن القتال عند المسجد الحرام حتى يبدءوا بالقتال فيه، لأنه أوجب قتالهم على كل حال حتى يدخلوا في الاسلام في قول الجبائي، والحسن، وغيره، وعلى ما حكيناه عن ابن عباس، وعمر ابن عبد العزيز: أن الأولى ليست منسوخة، فلا تكون هذه ناسخة بل تكون مؤكدة، والفتنة الشرك في قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والربيع، وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر (ع). وإنما سمى الكفر فتنة، لان الكفر يؤدي إلى الهلاك كما تؤدي الفتن إلى الهلاك، ولان الكفر إظهار الفساد عند الاختبار، والفتنة إنما هي الاختبار. والدين هاهنا قيل في معناه قولان:
أحدهما - الاذعان لله بالطاعة كما قال الأعشى:
هو دان الرباب إذكر هو الدين * داركا بغزوة وصيال (1)

(1) ديوانه: 11، رقم القصيدة 1. قيل: انه قالها في مدح الأسود بن المنذر اللخمي أخي النعمان بن المنذر لامه، وأم الأسود من تيم الرباب. وقيل: انه قالها في مدح المنذر بن الأسود لما غز الحليفين، أسدا وذبيان، ثم أغار على - رمط الأعشى - بني ساعدة بن ضبة بن ثعلبة وكان الأعشى غائبا، فلما قدم وجد الحي مباحا فأتاه، فأنشده، وسأله أن يهبه الاسرى، ففعل.
والرباب - بكسر الراء - بنو عبد مناة بن أد، وهم تيم وعدي وعوف وثور، اجتمعوا فتحالفوا مع بني عمهم ضبة تيم بن أد، فجاءوا برب (تمر مطبوخ) فغمسوا أيديهم فيه، فسموا الرباب.
وقوله: دان الرباب أي أذلهم وحملهم على الطاعة. وقوله: دراكا أي تتابعا.
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست