المعنى: إن قيل إذا كانت التوبة من الذنب لا تصلح إلا بعد فعله، فلم قال: " من بعد ذلك "؟ قيل فائدته أنه يفيد معنى تابوا منه، لان توبتهم من غيره لا تنفع في التخلص منه، كما لا تنفع التوبة من الكبير في التخلص من الصغير، فأما من قال:
إن التوبة من معصية لا تصح مع الإقامة على معصية أخرى، فإنه يقول ذلك على وجه التأكيد، فان قيل: إذا كانت التوبة وحدها تسقط العقاب وتحصل الثواب فلم شرط معها الاصلاح؟ قيل الوجه في ذلك إزالة الابهام لئلا يعتقد، أنه إذا حصل الايمان، والتوبة من الكفر لا يضر معه شئ من أفعال القبائح، كقوله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " (1) فذكر مع الايمان عمل الصالحات، لإزالة الايهام بأن من كان مؤمنا في الحكم، لم يضره مع ذلك ما عمله من المعاصي. وقبول التوبة واجب، لأنها طاعة واستحقاق الثواب بها ثابت عقلا، فأما سقوط العقاب عندها، فإنما هو تفضل من الله، ولولا أن السمع ورد بذلك وإلا، فلا دلالة في العقل على ذلك. وقوله: " فان الله غفور رحيم " دخلت؟
لشبهه بالجزاء، إذا كان الكلام قد تضمن معنى إن تابوا " فان الله غفور رحيم " أي يغفر لهم وليست في موضع خبر الذين، لان الذين في موضع نصب بالاستثناء من الجملة الأولى التي هي قوله: " أولئك عليهم لعنة الله... " الآية، وذكر المغفرة في الآية دليل على أن اسقاط العقاب بالتوبة تفضل، لأنه لو كان واجبا لما استحق بذلك الاثم بأنه غفور، لأنه لا يقال هو غفور إلا فيما له المؤاخذة، فأما مالا يجوز المؤاخذة به فلا يجوز تعليقه بالمغفرة.
قوله تعالى:
(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل