الترغيب في الحق، وقوله: (ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) وجه اتصاله بالكلام كأنه قال أما الدنيا فأنتم فيها على هذه الحال، وأما الآخرة، فيقع فيها التوفية للحقوق على التمام والكمال. وإنما عدل عن الغيبة إلى الخطاب في قوله: " ثم إلي مرجعكم " لتغلب الحاضر على الغائب لما دخل معه في المعنى كما يقول بعض الملوك: قد بلغني عن أهل بلد كذا جميل، فأحسن إليكم معشر الرعية.
وقوله تعالى:
(فاما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين) (56) آية واحدة بلا خلاف.
معنى قوله " فأما " تفصيل المجمل على قولك فيجازي العباد أما المؤمن فبالثواب وأما الكافر فبالعقاب. وقوله: " فأعذبهم " فالعذاب: استمرار الآلام لان أصله استمرار الشئ، فمنه العذوبة لاستمرار العذب في الحلق، ومنه العذبة لاستمرارها بالحركة. وقوله " شديدا " فالشدة صعوبة بالانتقام. والقوة: عظم القدرة، فالشدة نقيض الرخاوة. والقوة نقيض الضعف، فشدة العذاب قد تكون بالتضعيف، وقد تكون بالتحبيس. وقوله: (في الدنيا والآخرة) فعذابهم في الدنيا اذلالهم بالقتل، والأسر، والسبي، والخسف، والجزية، وكلما فعل على وجه الذلة والإهانة. وفي الآخرة عذاب الأبد. والفرق بين الآخرة والانتهاء أن الآخرة قد تكون بعد العمل، فأما الانتهاء فجزء منه لا يكون بعد كماله هذا إذا أطلق فان أضيف فقيل آخر العمل فمعناه انتهاء العمل. وقوله: (وما لهم من ناصرين) فالنصرة هي المعونة على العدو خاصة. والمعونة هي زيادة في القوة وقد تكون على العدو، وغير العدو.