العادة، ولا يكون معجزا، وهذا خلاف جميع أقوال المفسرين، لأنهم كلهم قالوا لما رأى زكريا ذلك قال: الذي يقدر على أن يأتي مريم بالرزق يقدر أن يخلق الولد من امرأة عاقر، فهنالك سأله أن يرزقه ولدا. ويحتمل ايصال قوله: " إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " بما تقدم من وجهين: أحدهما - أن يكون حكاية لقول مريم. والثاني - أن يكون استئنافا من الله الاخبار به. والأولى أن يكون على الاستئناف، لأنه ليس من معنى الجواب عما سئلت عنه في شئ. وقال الحسن هو على الحكاية. وقوله: " بغير حساب " معناه بغير حساب الاستحقاق على العمل، لأنه تفضل يبتدئ الله به من يشاء من خلقه. ويحتمل أن يكون المراد بغير تقتير كما يحسب الذي يخاف الاملاق. وقد بينا فيما مضى معنى (أنى) وأن معناه من أين لك. وقال قوم معناه كيف لك. والأول أظهر.
قوله تعالى:
(هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) (38) آية واحدة.
اللغة والمعنى:
معنى هنالك: عند ذلك. والأصل فيه الطرف من المكان نحو رأيته هنا وهناك، وهنالك، والفصل بينهما، القرب والبعد، فهنا للقريب وهنالك للبعيد، وهناك لما بينهما. وقال الزجاج: ويستعمل في الحال كقوله من ههنا قلت: كذا أي من هذا الوجه. وفيه معنى الإشارة كقولك: ذا، وذاك. وزيدت اللام لتأكيد التعريف، لان الأصل في زيادتها التعريف إلا أنها كسرت لالتقاء الساكنين كما كسرت في ذلك. ولا يجوز إعرابها، لان فيها معنى الحرف.
ومعنى الآية عند ذلك الذي رأى من فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف ما جرت به العادة، طمع في رزق الولد من العاقر