قوله تعالى:
فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق (200) آية بلا خلاف.
المعنى:
قوله تعالى: " فإذا قضيتم " معناه فرغتم منها. وأصل القضاء: فصل الامر على أحكام. وقد يفصل بالفراغ منه كقضاء المناسك وقد يفصل بالعمل له على تمام كقوله " فقضاهن سبع سماوات في يومين " (1) وقد يفصل بالاخبار على القطع كقوله تعالى: " وقضينا إلى بني إسرائيل " (2) قد يفصل بالحكم كقضاء القاضي على وجه الالزام بالقهر.
والمناسك المأمور بها هاهنا جميع أفعال الحج المتعبد بها في قول الحسن وغيره من أهل العلم - وهو الصحيح - وقال مجاهد: هي الذبائح.
وقوله " فاذكروا الله " فالذكر هو العلم. وقيل: هو حضور المعنى للنفس بالقول أو غيره مما هو كالعلة، لحضوره بها. وقيل: المراد به هاهنا التكبير أيام منى لأنه الذكر الذي يختصه بالترغيب فيه على غيره من الأوقات. وقيل أيضا: إنه سائر الدعاء لله تعالى في ذلك المواطن، لأنه أفضل من غيره - وهو الأقوى - لأنه أعم.
وقوله: " كذكركم آباءكم " معناه ما روي عن أبي جعفر " ع " أنهم كانوا يجتمعون، يتفاخرون بالاباء، وبمآثرهم، ويبالغون فيه. وقوله " أو أشد ذكرا " إنما شبه الأوجب بما هو دونه في الوجوب، لامرين: أحدهما - أنه خرج على حال لأهل الجاهلية كانت معتادة: أن يذكروا آباءهم بأبلغ الذكر على وجه التفاخر، فقيل: اذكروا الله كالذكر الذي كنتم تذكرون به آباءكم في المبالغة، أو أشد ذكرا