أيضا أن يكون ذلك معجزة لمريم تدل على براءة ساحتها مما قذفت على ما بينا جوازه فيما مضى.
قوله تعالى:
قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) (47) آية واحدة.
المعنى:
إن قيل كيف سألت مريم عن خلق الولد من غير مسيس مع أنها لا تنكر ذلك في مقدور الله تعالى؟ قلنا: فيه وجهان: أحدهما - أنها استفهمت أيكون ذلك، وهي على حالتها من غير بشر أم على مجرى العادة من بشر، كما يقول القائل:
كيف تبعث بفلان في هذا السفر، وليس معه ما يركبه معناه، لأنه قوي أم هناك مركوب؟ الثاني - ان في البشرة: التعجب مما خرج عن المعتاد فتعجبت من عظم قدرة الله كما يقول القائل عند الآية يراها: ما أعظم الله، وكما يقول القائل لغيره كيف تهب ضيعتك، وهي أجل شئ لك. وليس يشك في هبته وإنما يتعجب من جوده. وقوله: (قال كذلك الله) حكاية ما قال لها الملك. وقوله: " كن فيكون " قيل في معناه قولان:
أحدهما - أنه على جهة المثل لان منزلة جميع ما يريد احداثه من جسم أو عرض كثر ذلك أو قل، فإنما هو بمنزلة قول القائل: كن، في أنه يكون بغير علاج، ولا معاناة، ولا تكلف سبب، ولا أداة، ولا شغل ببعض عن بعض، ولا انتهاء فيه إلى حد لا يمكن ضعفه، ولا زيادة عليه.
الثاني - ان معناه أن الله تعالى جعل (كن) علامة للملائكة فيما يريد إحداثه