وقوله: " وما كان الله ليضيع ايمانكم " قيل في معناه أقوال:
أولها - قال ابن عباس وقتادة والربيع: لما حولت القبلة قال ناس: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى. وقيل: كيف من مات من اخواننا قبل ذلك، فأنزل الله (وما كان الله ليضيع ايمانكم).
الثاني - معناه قال الحسن: وانه لما ذكر ما عليهم من المشقة في التحويلة اتبعه بذكر مالهم عنده من المثوبة وانه لا يضيع ما عملوه من الكلفة فيه لان التذكير به يبعث على ملازمه الحق والرضا به.
الثالث - قال البلخي: انه لما ذكر انعامه عليهم بالتولية إلى الكعبة ذكر سبب ذلك الذي استحقوه به وهو ايمانهم بما عملوه أولا فقال: " وما كان الله ليضيع ايمانكم " الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في التوجه إلى الكعبة.
اللغة:
والإضاعة مصدر أضاع يضيع. وضاع الشئ يضيع ضياعة، وضيعة تضييعا. قال صاحب العين: ضبعة الرجل حرفته. يقال: ما ضيعتك اي ما حرفتك، هذا في الضياع وضاع عمل فلان ضيعة، وضياعا. وتركهم بضيعة ومضيعة. والضيعة والضياع معروف واصل الضياع الهلاك.
وقوله: (ان الله بالناس لرؤف رحيم) ان قيل: ما الذي اقتضى ذكر هذه الصفة، قلنا الرؤوف بعباده الرحيم بهم لا يضيع عنده عمل عامل منهم، فدل بالرأفة والرحمة على التوفير عليهم فيما استحقوه دون التضيع لشئ منه. وإنما قدمت الرأفة على الرحمة، لان الرأفة أشد مبالغة من الرحمة ليجري على طريقه التقديم - بما هو اعرف - مجرى أسماء الاعلام ثم اتباعه بما هو دون منه ليكون مجموع ذلك تعريفا أبلغ منه، لو انفرد كل واحد عن الاخر كما هو في الرحمن الرحيم فرؤوف على ورن فعول، لغة أهل الحجا على ورن فعل، لغة غيرهم قال الأنصاري (1):