" إن الكافرون إلا في غرور " (1) وهي لام الابتداء أخرت إلى الخبر في باب (ان) خاصة. واما اللام الثالثة في قوله: " وما كان الله ليضيع إيمانكم " فلام الجحد، واصلها الام الإضافة، والفعل نصب باضمار (أن)، ولا يظهر بعدها (ان)، لان التأويل: ما كان الله مضيعا ايمانكم، فلما حمل معناه على التأويل، حمل، لفظه أيضا على التأويل من غير تصريح باظهار (ان).
المعنى:
فان قيل: باي شئ يشهدون على الناس، قلنا فيه ثلاثة أقوال: أحدها - ليشهدوا على الناس باعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة كما قال: " وجيئ بالنبيين والشهداء " (2) وقال " يوم يقوم الاشهاد " (3) قال ابن زيد: الاشهاد أربعة الملائكة، والأنبياء، وأمة محمد صلى الله عليه وآله والجوارح. كما قال: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " (4).
الثاني - يشهدون الأنبياء على أممهم المكذبين بأنهم بلغوا. وجاز ذلك لاعلام النبي صلى الله عليه وآله إياهم بذلك.
الثالث - " لتكونوا شهداء على الناس " أي حجة عليهم فيما يشهدون، كما أن النبي صلى الله عليه وآله شهيد بمعنى حجة في كلما اخبر به. والنبي صلى الله عليه وآله وحده كذلك. فأما الأمة فجماعتها حجة دون كل واحد منها. واستدل البلخي، والجبائي، والرماني، وابن الاخشاد، وكثير من الفقهاء، وغيرهم بهذه الآية على أن الاجماع حجة من حيث إن الله وصفهم بأنهم عدول، فإذا عدلهم الله تعالى، لم يجز أن تكون شهادتهم مردودة - وقد بينا في أصول الفقه أنه لا دلالة فيها على أن الاجماع حجة - وجملته ان الله تعالى وصفهم بأنهم عدول، وبأنهم شهداء وذلك يقتضي أن يكون كل واحد عدلا،