دالا على حظر الحرام - وهذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم. فأما غير ذلك، فلا يدل على قبح ضده، لان قول القائل، كل من زيد، لا يدل على أن المراد تحريم ما عداه، لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصه، والاخر موقوف على بيان آخر، وليس كذلك ما ضده قبيح، لأنه قد يكون من البيان تقبيح ضده.
والطيبات قد منا معناها فيما تقدم، وأن المراد بذلك الخالص من شائب ينغص، وإن كان لا يخلو شئ من شائب، لكنه لا يعتد به في الوصف بأنه حلال طيب، ولو كان في الطعام ما ينغصه لجاز وصفه بأنه ليس بطيب.
والرزق قد بينا فيما مضى: أنه ما للحي الانتفاع به على وجه لا يكون لاحد منعه منه.
وقوله: " واشكروا لله " فالشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم، ويكون ذلك عن وجهين: (1) أحدهما - الاعتراف بالنعمة - متى ذكرها - للمنعم بالاعتقاد لها.
الثاني - الطاعة بحسب جلالة النعمة، فالأول لازم في كل حال من أحوال الذكر، والثاني إنما يلزم في الحال التي يحتاج فيها إلى القيام بالحق، واقتضى ذكر الشكر هاهنا ما تقدم ذكره من الانعام في جعل الطيب من الرزق، للانتفاع، واستدفاع المضار، وذكر الشرط هاهنا إنما هو وجه المظاهرة في الحجاج ولما فيه من حسن البيان دون أن يكون ذلك شرطا في وجوب الشكر، وتلخيص الكلام إن كانت العبادة لله واجبة عليكم بأنه إلهكم، فالشكر له واجب عليكم بأنه محسن إليكم.
وأما العبادة، فهي ضرب من الشكر، لأنها غاية ليس وراءها شكر، ويقترن به ضرب من الخضوع. ولا يستحق العبادة إلا الله، لأنها تستحق بأصول النعم من الحياة، والقدرة، والشهوة، والنفاد، وأنواع المنافع، وبقدر من النفع لا يواريه