الأوثان كمثل الناعق في دعائه مالا يسمع، بتعالى، وما جرى مجراه من الكلام، وذلك أن البهائم لا تفهم الكلام، وإن سمعت النداء، والدعاء، وأقصى أحوال الأصنام أن تكون كالبهائم في أنها لا تفهم، فإذا كان لا يشكل عليهم أن من دعا البهائم بما ذكرناه جاهل، فهم في دعائهم الحجارة أولى بالجهل وصفة الذم.
الثالث - قال ابن زيد: إن مثل الذين كفروا في دعائهم آلتهم كمثل الناعق في دعائه الصدى في الجبل، وما أشبهه، لأنه لا يسمع منه إلا دعاء ونداء، لأنه إذا قال: يا زيد، سمع من الصدى يا زيد، فيتخيل إليه أن مجيبا أجابه، وليس هناك شئ، فيقول: يا زيد، وليس فيه فائدة، فكذلك يخيل إلى المشركين أن دعاءهم للأصنام يستجاب، وليس لذلك حقيقة، ولا فائدة. وإنما رجحنا الوجه الأول، لما بيناه من حسن الكلام، ولأنه مطابق للسبب الذي قيل: إنها نزلت في اليهود، فإنهم لم يكونوا يعبدون الأصنام، ولا يليق بهم الوجه الثاني، فإذا ثبت ذلك، ففيه ثلاثة أوجه من الحذف:
أولها - " ومثل الذين كفروا " في دعائك لهم كمثل الناعق في دعائه المنعوق به. والثاني - " ومثل الذين كفروا " في دعائهم الأوثان كمثل الناعق في دعائه الانعام. الثالث - مثل وعظ الذين كفروا كمثل نعق الناعق بما لا يسمع، وهذا من باب حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه كقول الشاعر: (1) وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي * على وعل في ذي المطارة عاقل (2) والتقدير على مخافة وعل. فان قيل: كيف قوبل الذين كفروا - وهم المنعوق به - بالناعق، ولما تقابل المنعوق به بالمنعوق به - في ترتيب الكلام - أو الناعق بالناعق؟ قيل للدلالة على تضمين الكلام تشبيه اثنين باثنين: الداعي للايمان للمدعو