بالاسلام. واختلفوا في سبب عيبهم الصرف عن القبلة: فقال قوم: انهم قالوا ذلك على وجه الانكار للنسخ. و (الثاني) قال ابن عباس: إن قوما من اليهود قالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، ارجع إليها نتبعك ونؤمن. وأرادوا بذلك فتنته. الثالث - أنه قال ذلك مشركوا العرب ليوهموا ان الحق ما هم عليه.
وإنما صرفهم الله عن القبلة الأولى لما علم الله تعالى من تغير المصلحة في ذلك.
وقيل إنما فعل ذلك لما قال تعالى " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه "، لأنهم كانوا بمكة، أمروا أن يتوجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا من المشركين الذين كانوا بحضرتهم يتوجهون إلى الكعبة، فلما انتقل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة كان اليهود المجاورون للمدينة يتوجهون إلى بيت المقدس فنقلوا إلى الكعبة ليتميزوا من هؤلاء كما أريد في الأول ان يتميزوا من أولئك. واختار ذلك البلخي والجبائي والرماني.
وقوله تعالى:
" قل لله المشرق والمغرب " أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء الذين عابوا انتقالهم عن بيت المقدس إلى الكعبة: المشرق والمغرب ملك لله يتصرف فيهما كيف شاء على ما تقتضيه حكمته. والمشرق والمطلع نظائر، وكذلك المغرب والمغيب نظائر.
وفي الآية دلالة على جواز النسخ لأنه تعالى نقلهم - عن عبادة كانوا عليها - إلى ايقاعها على وجه آخر وهذا هو النسخ.
وقوله: " لله المشرق والمغرب " فيه دلالة على أن من له المشرق والمغرب، فله التدبير فيهما، وفي ذلك اسقاط قول من زعم: أن الأرض المقدسة أولى بالتوجه إليها. لأنها مواطن الأنبياء - وقد شرفها الله وعظمها - فلا وجه للتولية عنها - فرد الله عليهم بأن المواطن كلها لله يشرف منها ما يشاء في كل زمان على ما يعلمه من مصالح العباد. وقال ابن عباس، والبراء بن عازب: انه كانت الصلاة إلى بيت المقدس إلى بعد مقدم النبي صلى الله عليه وآله بسبعة عشر شهرا. وقال انس بن مالك: إنما كان ذلك تسعة أشهر أو عشرة اشهر. وقال معاذ بن جبل كان ثلاثة عشر شهرا. وقال