ذكره الزجاج. وقيل: الحرث كناية عن النكاح على وجه التشبيه.
وقوله: " أنى شئتم " معناه: من أين شئتم - في قول قتادة، والربيع وقال مجاهد: معناه كيف شئتم. وقال الضحاك معناه متى شئتم، وهذا خطأ؟
جميع المفسرين، وأهل اللغة، لان (أنى) لا يكون إلا بمعنى من أين، كما قال:
" أنى لك هذا قالت هو من عند الله " (1). وقال بعضهم: معناه من أي وجه واستشهد بقول الكميت بن زيد:
أنى ومن أين آبك الطرب * من حيث لاصبوة ولا ريب (2) وهذا لا شاهد فيه، لأنه يجوز أن يكون أتى به، لاختلاف اللفضين، كما يقولون: متى كان هذا وأي وقت كان، ويجوز أن يكون بمعنى كيف. وتأول مالك، فقال: " أنى شئتم " تفيد جواز الاتيان في الدبر، ورواه عن نافع عن أبي عمرو، وحكاه زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر، وروي من طرق جماعة عن ابن عمر، وبه قال أكثر أصحابنا، وخالف في ذلك جميع الفقهاء، والمفسرين، وقالوا: هذا لا يجوز من وجوه:
أحدها - أن الدبر ليس بحرث، لأنه لا يكون فيه الولد. وهذا ليس بشئ لأنه لم يمتنع أن تسمى النساء حرثا، لأنه يكون منهن الولد، ثم يبيح الوطئ فيما لا يكون منه الولد، يدل على ذلك أنه لا خلاف أنه يجوز الوطئ بين الفخذين وإن لم يكن هناك ولد.
وثانيها - قالوا: قال الله: " فأتوهن من حيث أمركم الله " وهو الفرج، والاجماع على أن الآية الثانية ليست بناسخة للأولى. وهذا أيضا لا دلالة فيه، لان قوله: " من حيث أمركم الله " معناه: من حيث أباح الله لكم، أو من الجهة التي شرعها لكم، على ما حكيناه عن الزجاج، ويدخل في ذلك الموضعان معا.