ومن ادعى نسخها، لقوله (ع): لا وصية لوارث، فقد أبعد، لان هذا أولا خبر واحد لا يجوز نسخ القرآن به إجماعا. وعندنا لا يجوز العمل به في تخصيص عموم القرآن. وادعاؤهم أن الأمة أجمعت على الخبر دعوى عارية من برهان. ولو سلمنا الخبر جاز أن نحمله على أنه لا وصية لوارث فيما زاد على الثلث، لأنا لو خلينا وظاهر الآية لأجزنا الوصية بجميع ما يملك للوالدين والأقربين، لكن خص ما زاد على الثلث لمكان الاجماع.
فأما من قال: إن الآية منسوخة بآية الميراث فقوله بعيد عن الصواب. لان الشئ إنما ينسخ غيره: إذا لم يمكن الجمع بينهما، فأما إذا لم يكن بينهما تناف ولا تضاد بل أمكن الجمع بينهما، فلا يجب حمل الآية على النسخ، ولا تنافي بين ذكر ما فرض الله للوالدين وغيرهم من الميراث، وبين الامر بالوصية لهم على جهة الخصوص، فلم يجب حمل الآية على النسخ. وقول من قال: حصول الاجماع على أن الوصية ليست فرضا يدل على أنها منسوخة باطل، لان اجماعهم على أنها لا تفيد الفرض، لا يمتنع من كونها مندوبا إليها ومرغبا فيها، ولاجل ذلك كانت الوصية للوالدين، والأقربين الذين ليسوا بوارث ثابتة بالآية ولم يقل أحد أنها منسوخة في خبرهم (1).
ومن قال: إن النسخ من الآية ما يتعلق بالوالدين، وهو قول الحسن والضحاك، فقد قال قولا ينافي ما قاله مدعي نسخ الآية - على كل حال - ومع ذلك فليس الامر على ما قال، لأنه لا دليل على دعواه. وقال طاووس: إذا وصى لغير ذي قرابة لم تجز وصيته. وقال الحسن: ليست الوصية إلا للأقربين وهذا الذي قالاه عندنا وإن كان غير صحيح، فهو مبطل قول من يدعي نسخ الآية. وإنما قلنا أنه ليس بصحيح، لان الوصية لغير الوالدين، والأقربين عندنا جائزة. ولا خلاف بين الفقهاء في جوازها. والوصية لا تجوز بأكثر من الثلث إجماعا، والأفضل أن يكون بأقل من الثلث، لقوله (ع) والثلث كثير، وأحق من وصي له من كان