هؤلاء نطراؤهم، فصح عن أبي هريرة: أنه أدخل إصبعه في أنفه فخرج فيها دم ففته بين إصبعه ثم صلى ولم يتوضأ، وعن ابن عمر: أنه عصر بثرة بوجهه فخرج منها دم ففته بين إصبعيه وقام فصلى (1)، وعن طاوس أنه كان لا يرى في الرعاف وضوءا، وعن عطاء انه كان لا يرى في الرعاف وضوءا، وعن الحسن أنه كان لا يرى في القلس وضوءا، وعن مجاهد أنه كان لا يرى في القلس وضوءا * والعجب كله أن أبا حنيفة وأصحابه لا يرون الغسل من المنى إذا خرج من الذكر لغير لذة، وهو المنى نفسه الذي أوجب الله تعالى ورسوله عليه السلام فيه الغسل ثم يوجبون الوضوء من القيح يخرج من الوجه قياسا على الدم يخرج من الفرج!
والعجب كله أنهم سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن التذكية بالسن فإنه عظم، فرأوا الذكاة غير جائزة بكل عظم، ثم أتوا إلى قوله عليه السلام في وضوء المستحاضة:
(فان عرق) فقاسوا عليه دم الرعاف واللثاة والقيح، فهذا مقدار علمهم بالقياس.
ومقدار اتباعهم للآثار، ومقدار تقليدهم من سلف * وأما الشافعي فإنه جعل العلة في نقض الوضوء للمخرج وجعله أبو حنيفة للخارج وعظم تناقضه في ذلك كما ذكرنا، وتعليل كلا الرجلين مضاد لتعليل الآخر ومعارض له، وكلاهما خطا لأنه قول بلا برهان، ودعوى لا دليل عليها، قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * قال أبو محمد: ويقال للشافعيين والحنفيين معا: قد وجدنا الخارج من المخرجين مختلف الحكم، فمنه ما يوجب الغسل كالحيض والمني ودم النفاس، ومنه ما يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والريح والمذي، ومنه ما لا يوجب شيئا كالقصة البيضاء، فمن أين لكم أن تقيسوا ما اشتهيتم فأوجبتم فيه الوضوء قياسا على ما يوجب الوضوء من ذلك، دون أن توجبوا فيه الغسل قياسا على ما يوجب الغسل من ذلك، أو دون أن لا يتوجبوا فيه شيئا قياسا على ما لا يجب فيه شئ من ذلك؟ وهل هذا إلا التحكم بالهوى الذي حرم الله تعالى الحكم به وبالظن الذي أخبر تعالى أنه لا يغنى