برهان ذلك: أنه لما صح ضرورة أن العالم كله مخلوق وأن له خالقا وجب أن لو كان الخالق أكثر من واحد أن يكون قد حصرهما العدد وكل معدود فذو نهاية كما ذكرنا وكل ذي نهاية فمحدث. وأيضا فكل اثنين فهما غيران وكل غيرين ففيهما أو في أحدهما معنى ما صار به غير الآخر فعلى هذا كأن يكون أحدهما ولا بد مركبا من ذاته ومما غاير به الآخر وإذا كان مركبا فهو مخلوق مدبر فبطل كل ذلك وعاد الامر إلى وجوب أنه واحد ولابد وأنه بخلاف خلقه من جميع الوجوه والخلق كثير محدث فصح أنه تعالى بخلاف ذلك وأنه واحد لم يزل إذ لو لم يكن كذلك لكان من جملة العالم تعالى الله عن ذلك. (ليس كمثله شئ). وقال تعالى (ولم يكن له كفوا أحد). 4 - مسألة - وأنه خلق كل شئ لغير علة أوجبت عليه أن يخلق. برهان ذلك:
أنه لو فعل شيئا مما فعل لعلة لكانت تلك العلة إما لم تزل معه وإما مخلوقة محدثة ولا سبيل إلى قسم ثالث فلو كانت لم تزل معه لوجب من ذلك شيئان ممتنعان: أحدهما أن معه تعالى غيره لم يزل فكان يبطل التوحيد الذي قد أبقا برهانه آنفا والثاني أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل أن يكون الخلق لم يزل لان العلة لا تفارق المعلول ولو فارقته لم تكن علة له وقد أوضحنا آنفا برهان وجوب حدوث العالم كله. وأيضا فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل لكان مضطرا مطبوعا أو مدبرا مقهورا لتلك العلة وهذا خروج عن الإلهية ولو كانت العلة محدثة لكانت ولا بد إما مخلوقة له تعالى وإما غير مخلوقة فإن كانت غير مخلوقة فقد أوضحنا آنفا وجوب كون كل شئ محدث مخلوقا فبطل هذا القسم وإن كانت غير مخلوقه وجب ولا بد أن تكون مخلوقه لعلة أخرى أو لغير علة فان وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى وجب مثل ذلك في العلة الثانية وهكذا أبدا وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم وهذا باطل لما ذكرنا آنفا وبأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه ولا بد وكل ما حصره العدد فهو متناه. فبطل هذا القسم أيضا وصح ما قلناه ولله تعالى الحمد. وان قالوا: بل خلقت العلة لا لعلة سئلوا: من أين وجب أن يخلق الأشياء لعلة لا لعلة؟ ولا سبيل إلى دليل