المحلى - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١٩١
شعرة واحدة أو مسح شعرة من رأسه أو خفه أو بعض خفه: حتى نعرف أقوالهم في ذلك * وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وسقى إنسانا ذلك الوضوء، وأنه عليه السلام توضأ وصب وضوءه على جابر بن عبد الله، وأنه عليه السلام كان إذا توضأ تمسح الناس بوضوئه، فقالوا بآرائهم الملعونة: ان المسلم الطاهر النظيف إذا توضأ بماء طاهر ثم صب ذلك الماء في بئر فهي بمنزلة لو صب فيها فأر ميت أو نجس. ونسأل الله العافية من هذا القول * 142 - مسألة - وونيم (1) الذباب والبراغيث والنحل وبول الخفاش (2) إن كان لا يمكن التحفظ منه وكان في غسله حرج أو عسر لم يلزم من غسله إلا مالا حرج فيه ولا عسر * قال أبو محمد: قد قدمنا قول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى: (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). فالخرج والعسر مرفوعان عنا، وما كان لا حرج في غسله ولا عسر فهو لازم غسله، لأنه بول ورجيع. وبالله تعالى التوفيق * 143 - مسألة - والقئ من كل مسلم أو كافر حرام يجب اجتنابه. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) وإنما قال عليه السلام ذلك على منع العودة في الهبة * 144 - مسألة - والخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس حرام واجب اجتنابه، فمن صلى حاملا شيئا منها بطلت صلاته. قال الله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه). فمن لم يجتنب ذلك في صلاته فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل (3).

(١) بفتح الواو وكسر النون وآخره ميم، هو خرء الذباب.
(٢) في اليمنية (والنحل والخفافيش) (٣) شذ ابن حزم شذوذا غريبا في القول بنجاسة الميسر والأنصاب والأزلام ولو شئنا أن نقول كما يقول متأخرو الفقهاء في مناظراتهم لقلنا: إنه خالف الاجماع فقد نقل النووي وغيره الاجماع على طهارتها، ونحن لم نعلم قائلا ذهب إلى ما اختاره المؤلف رحمه الله. ولا بأس بذلك إن كان القول المختار يرجحه الدليل الصحيح. والآية التي استدل بها المؤلف لا تدل على ما ذهب إليه، فان الرجس كما يطلق على النجس يطلق على المستقذر وعلى الخبيث وعلى المآثم وعلى العذاب، قال الزجاج: (الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل فبالغ الله تعالى في ذم هذه الأشياء وسماها رجسا) نقله في اللسان، وقال الراغب الأصفهاني:
(الرجس الشئ القذر، يقال رجل رجس ورجال أرجاس، قال تعالى (رجس من عمل الشيطان)، والرجس يكون على أربعة أوجه، إما من حيث الطبع، واما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، واما من كل ذلك كالميتة، فان الميتة تعاف طبعا وعقلا وشرعا. والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وقيل إن ذلك رجس من جهة العقل، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى (وإثمهما أكبر من نفعهما) لان كل مايو في اثمه على نفعه فالعقل يقتضى تجنبه). وليس معقولا في معنى الآية إرادة الرجس بمعنى النجس رغما عما اختاره المؤلف، فالميسر مثلا هو لعب القمار ولا يعقل فيه نجاسة من طهارة، وان ادعى أنه يريد آلة اللعب فهي دعوى غير موفقة، لأنه ليس في آلة اللعب تحريم، إنما التحريم على عمل المكلف، قال ابن جرير في التفسير (٧: ٢١): ((رجس): يقول: اثم ونتن سخطه الله وكرهه لكم (من عمل الشيطان) يقول: شربكم الخمر وقماركم على الجزر وذبحكم للأنصاب واستقسامكم.
بالأزلام من تزيين الشيطان لكم ودعائه إياكم إليه وتحسينه لكم، لا من الاعمال التي ندبكم إليها ربكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم (فاجتنبوه) يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه) وهذا تفسير دقيق لمعنى الآية يدل على خطأ ما فهمه ابن حزم من أن الرجس هو نفس الأنصاب الخ وان الواجب اجتناب ذواتها وأجرامها.
ومن هذا تعلم أن الآية لا تدل على نجاسة الخمر أيضا وهو الصحيح، قال النووي في المجموع (٢: ٥٦٤): (ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة لان الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة، وكذا الامر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة) ثم ذكر دليلا آخر على نجاستها ورده ثم قال: (وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم) وهذا دليل ضعيف جدا وان رآه النووي أقرب إلى القوة والحق أنه لا دليل في الشريعة صريحا أصلا يدل على نجاسة الخمر، والأصل الطهارة، وحرمة شربها لا تدل على نجاستها، فان السم حرام ليس بنجس، وكذلك المخدرات الأخرى، واليه ذهب ربيعة وداود فيما حكاه النووي نقلا عن القاضي أبى الطيب، وهو الذي نختاره، والحمد لله. ويظهر من كلام الراغب الأصفهاني الذي نقلنا آنفا أنه يميل إليه أو يختاره، واليه يرمي كلام القاضي الشوكاني كما يفهم من الدرر البهية وشرحه الروضة الندية (1: 20 - 21) واختاره أيضا العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام (ج 1 ص 42) الطبعة المنيرية
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست