يفرق بين ملء الفم من القئ والقلس، وما دون ملء الفم من القئ والقلس، ولا بين ما يخرج من نفاطة فينقض الوضوء وما يسيل من الانف فلا ينقض الوضوء ولا فيه ذكر دم خارج من الجوف ولا من الجسد ولا من اللثاة ولا من الجرح وإنما فيهما القئ والقلس والرعاف فقط فلا على الخبرين اقتصروا كما فعلوا بزعمهم في خبر الوضوء من القهقهة والوضوء بالنبيذ، ولا قاسوا عليهما (1) فطردوا قياسهم، لكن خلطوا تخليطا خرجوا به إلى الهوس المحض فقط، فهو حجة عليهم - لو صح - وقد خالفوه * واحتجوا أيضا بحديث رويناه من طريق الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ، فلقيت ثوبان فذكرت ذلك له فقال: صدقت أنا صببت له وضوءه يعنى النبي صلى الله عليه وسلم) ورويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن خالد ابن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء قال: (استقاء (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر ودعا بماء فتوضأ) قال أبو محمد: هذا الحديث الأول فيه يعيش بن الوليد أعن أبيه وليسا مشهورين والثاني مدلس لم يسمعه يحيى من يعيش، ثخم لو صحا لما كان لهم فيه متعلق، لأنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تقيأ فليتوضأ، ولا أن وضوءه عليه السلام كان من أجل القئ، وقد صح عنه عليه السلام التيمم لذكر الله تعالى، وهم لا يقولون بذلك وليس فيه أيضا فرق بين ما يملا الفم من القئ وبين مالا يملؤه، ولا فيهما شئ غير القئ، فلا على ما فيهما اقتصروا، ولا قاسوا عليهما قياسا مطردا * وذكروا أيضا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فاطمة بنت أبي حبيش - وقد ذكرناه قبل - وهو قوله عليه السلام: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة) وأوجب عليه السلام فيه الوضوء، قالوا: فوجب ذلك في كل عرق سائل * قال علي: وهذا قياس، والقياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لأنه إذا لم يجز أن يقيسوا دم العرق الخارج من الفرج على دم الحيض الخارج
(٢٥٨)