ذلك (1) فما في القدر حلال أكله، لأنه ليس فيه شئ من المحرمات أصلا، وقد أبطل الله تعالى تلك المحرمات وأحالها إلى الحلال. ثم نقلب عليهم هذا السؤال في دن خل رمى فيه خمر فلم يظهر للخمر أثر، فقولهم إن ذلك الذي في الدن كله حلال، فهذا تناقض منهم، وقول منهم بالذي شنعوا به فلزمهم التشنيع، لأنهم عظموه ورأوه حجة، ولم يلزمنا لأننا لم نعظمه ولا رأيناه حجة. ولله الحمد * قال علي: وأما متأخروهم فإنهم لما رأوا أنهم لا يقدرون على ضبط هذا المذهب لفساده وسخافته فروا إلى أن قالوا: إننا لا نفرق بين غدير كبير ولا بحر ولا غير ذلك، لكن الحكم لغلبة الظن والرأي في الماء الذي يتوضأ منه ويغتسل منه، فان تيقنا أو غلب في ظنوننا أو النجاسة خالطته حرم استعماله ولو أنه ماء البحر، وان لم نتيقن ولاغلب في ظنوننا أنه خالطته نجاسة توضأنا به * قال علي: وهذا المذهب أشد فسادا من الذي رغبوا عنه لوجوه: أولها، أنهم مقرون بأنه حكم بالظن، وهذا لا يحل، لان الله تعالى يقول: (ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث). ولا أسوأ حالا ممن يحكم في دين الله تعالى الذي هو الحق المحض بالظن الذي هو مقر بأنه لا يحققه. والثاني، أن يقال لهم: كما تظنون أن النجاسة لم تخالطه فظنوا أنها خالطته فاجتنبوه، لان الحكم بالظن أصل من أصولكم، فما الذي جعل إحدى جنبتي الظن أولى من الأخرى؟. والثالث، أن قولكم هذا تحكم منكم بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل. والرابع، أن نقول لهم: عرفونا ما معنى هذه المخالطة من النجاسة للماء؟ فلسنا نفهمها ولا أنتم ولا أحد في العالم - ولله الحمد - فان كنتم تريدون أن كل جزء من أجزاء الماء قد جاور جزءا من أجزاء النجاسة فهذه مجاورة لا مخالطة، وهذا لا يمكن البتة الا بأن يكون مقدار النجاسة كمقدار الماء سواء سواء، وإلا فقد فضلت أجزاء من الماء لم يجاورها شئ من النجاسة * فان قالوا: فقد تنجس كل ذلك وإن كان لم يجاوره من النجاسة شئ، قلنا
(١٦٥)