وأخرج الهروي في ذم الكلام من طريق يحيى بن عبد الله بن دينار قال: لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الحديث إنما كانوا يؤدونها لفظا ويأخذونها حفظا إلا كتب الصدقات، والشئ اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء حتى خيف عليه الدروس، وأسرع في العلماء الموت فأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أبا بكر الحزمي فيما كتب إليه أن انظر ما كان من سنة أو حديث عمر فاكتبه. وقال مالك في الموطأ: رواية محمد بن الحسن أنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أو حديث عمر أو نحو هذا، فاكتبه لي فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء علقه البخاري في صحيحه، وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه.
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه ويكتب إلى المدينة يهنأ لهم عما مضى وأن يعلموا بما عندهم ويكتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم أن يجمع السنن ويكتب إليه بها فتوفى عمر وقد كتب ابن حزم كتبا قبل أن يبعث بها إليه. قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري عقب التعليق السابق: يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي ثم أفاد أن أول من دونه بأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب الزهري.
قلت: وقفت على سنده قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا سليمان بن داود، أنا أحمد بن يحيى ثعلب، حدثنا الزبير بن بكار حدثني محمد بن الحسن بن زبالة عن مالك بن أنس قال:
أول من دون العلم ابن شهاب. قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: اعلم أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تابعيهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لامرين أحدهما أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم والثاني سعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولان أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الاخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الاقتدار فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعد بن أبي عروبة وغيرهما فكانوا يصنفون كل باب حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة في منتصف القرن الثاني فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوى من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم. وصنف ابن جريج بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بالبصرة وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وابن المبارك بخراسان، وجرير بن عبد الحميد بالري، وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يدرى أيهم أسبق، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسخ على موالهم إلى أن رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المانتين فصنفوا المسانيد انتهى. وهو ملخص من المحدث الفاضل للرامهرمزي والجامع الأصول لابن الأثير، وقد سقت عباراتهم في شرح العيني. وقال أبو طالب المكي في قوت القلوب: هذه المصنفات من الكتب حادثة بعد سنة عشرين أو ثلاثين ومائة، ويقال أن أول ما صنف في الاسلام كتاب ابن جريج في الآثار وحروف من التفاسير بمكة، ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن جمع فيه سننا منصورة مبوية، ثم كتاب