من اللفظ كما يقتضيه كلام المحرر والروضة وأصلها، والأصح المنع مطلقا لما مر أنه عقد معاوضة إلخ فلا يشبه الوكالة لأنها مجرد إذن، ولا الجعالة لأنها لا تختص بعين. ثم شرع في الركن الخامس وهو العاقدان ذاكرا لشرطهما فقال:
(وشرطهما) أي المالك والعامل (كوكيل وموكل) في شرطهما لأن القراض توكيل وتوكل بعوض، فيشترط أهلية التوكيل في المالك وأهلية التوكل في العامل، فلا يكون واحد منهما سفيها ولا صبيا ولا مجنونا ولا رقيقا بغير إذن سيده. ولولي المحجور عليه من صبي ومجنون وسفيه أن يقارض من يجوز إيداعه المال المدفوع إليه سواء أكان الولي أبا أم جدا أم وصيا أم حاكما أم أمينه، نعم إن تضمن العقد الاذن في السفر اتجه كما في المطلب كونه كإرادة الولي السفر بنفسه. وأما المحجور عليه بالفلس فلا يصح أن يقارض ويصح أن يكون عاملا، ويصح القراض من المريض ولا يحسب ما زاد على أجرة المثل من الثلث لأن المحسوب منه ما يفوته من ماله والربح ليس بحاصل حتى يفوته، وإنما هو شئ يتوقع حصوله، وإذا حصل حصل بتصرف العامل، بخلاف مساقاته فإنه يحسب فيها ذلك من الثلث لأن الثمار فيها من عين المال بخلافه. (ولو قارض العامل) شخصا (آخر بإذن المالك ليشاركه) ذلك الآخر (في العمل والربح لم يجز في الأصح) لأن القراض على خلاف القياس، وموضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكا لا عمل له والآخر عاملا ولو متعددا لا ملك له، وهذا يدور بين عاملين فلا يصح. والثاني: يجوز كما يجوز للمالك أن يقارض شخصين في الابتداء، وقواه السبكي، وقال في شرح التعجيز: إنه الذي قطع به الجمهور، ورد بما مر.
تنبيه: احترز بقوله: ليشاركه في العمل عن إذنه له في ذلك لينسلخ هو من القراض ويكون فيه وكيلا عن المالك والعامل هو الثاني فإنه يصح جزما كما لو قارضه المالك بنفسه. ومحله كما قال ابن الرفعة إذا كان المال مما يجوز عليه القراض، فلو دفع ذلك بعد تصرفه وصيرورته عرضا لم يجز. قال الماوردي: ولا يجوز عند عدم التعيين أن يقارض إلا أمينا، والأشبه في المطلب أنه ينعزل بمجرد الاذن له في ذلك إن ابتدأه المالك به، لا إن أجاب به سؤاله فيه (وبغير إذنه فاسد) مطلقا سواء أقصد المشاركة في عمل وربح أم ربح فقط أم قصد الانسلاخ، لأن المالك لم يأذن فيه ولم يأتمن على المال غيره، كما لو أراد الوصي أن ينزل وصيا منزلته في حياته يقيمه في كل ما هو منوط به فإنه لا يجوز كما قاله الإمام. قال السبكي:
ولو أراد ناظر وقف شرط له النظر إقامة غيره مقامه وإخراج نفسه من ذلك كان كما مر في الوصي. قال: وقد وقعت هذه المسألة في الفتاوى ولم أتردد في أن ذلك ممنوع. (فإن تصرف) العامل (للثاني) بغير إذن المالك، (فتصرف غاصب) تصرفه فيضمن ما تصرف فيه لأن الاذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل. (فإن اشترى في الذمة) وسلم ما أخذه من مال القراض فيما اشتراه وربح (وقلنا بالجديد) وهو أن الربح كله للغاصب، (فالربح) هنا جميعه (للعامل الأول في الأصح) لأن الشراء صحيح والتسليم فاسد، فيضمن الثمن الذي سلمه ويسلم له الربح سواء أعلم بالحال أم لا كما صرح به سليم الرازي. وقوله: (وعليه للثاني أجرته) من زيادته من غير تمييز لأنه لم يعمل مجانا. فإن قلنا بالقديم وهو أن الربح للمالك إذ لو جعلناه للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب، فالأصح عليه من خلاف منتشر أن الربح نصفه للمالك ونصفه بين العاملين سواء. (وقيل هو) أي الربح في المسألة المذكورة (للثاني) من العاملين، واختاره السبكي لأنه لم يتصرف بإذن المالك فأشبه الغاصب.
تنبيه: هذا الجديد الذي ذكره لم يتقدم له ذكر في الكتاب فلا تحسن الإحالة عليه، وقد صرح في المحرر هنا بمسألة الغاصب وذكر القولين فيها ثم فرع على الجديد مسألة الكتاب وهو حسن، فأسقط المصنف مسألة الغاصب وهي أصل لما ذكره فاختل. وإنما أحال عليه في الروضة مع عدم ذكره له هنا لتقدم ذكره له في البيع والغصب،