مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١٨٨
(ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض) على قول منع الاجبار، (فإن أجر رأس الجدار للبناء) عليها (فهو إجارة) كسائر الأعيان التي تستأجر للمنافع، لكن لا يشترط فيها بيان المدة في الأصح لأنه عقد يرد على المنفعة وتدعو الحاجة إلى دوامه، فلم يشترط فيه التأقيت كالنكاح. والثاني: يشترط، وكلاما لمصنف يقتضيه. قال الزركشي: نعم لو كانت الدار وقفا عليه وأجره فلا بد من بيان المدة قطعا، كذا ذكره القاضي حسين. (وإن قال بعته للبناء عليه، أو بعت حق البناء عليه، فالأصح أن هذا العقد) الواقع بلفظ البيع أو بلفظ الصلح كما في الكفاية، (فيه شوب بيع) لكونه مؤبدا.
(و) شوب (إجارة) لأن المستحق به منفعة فقط إذ لا يملك المشتري فيه عينا، فلو كان إجارة محضة لاشترطنا تأقيتها أو بيعا محضا لكان رأس الجدار لصاحب الجذوع. والثاني: أن هذا العقد بيع يملك به مواضع رؤوس الجذوع. والثالث: أنه إجارة مؤبدة للحاجة. واحترز بقوله: للبناء عليه عما إذا باعه وشرط أن لا يبني عليه، فإنه جائز قطعا، وينتفع به بما عد البناء من مكث عليه وغيره، وكذا لو باعه ولم يتعرض للبناء بالكلية كما ذكره الماوردي، وحكم البناء على الأرض أو السقف أو الجدار بلا جذوع كذلك.
تنبيه: قوله: شوب، قال في الدقائق: إنه الصواب، وإن قول بعضهم شائبة محض تصحيف. قال السبكي: لا يظهر لي وجه التصحيف في ذلك، لأن الشوب الخلط، ويطلق على المخلوط به، وهو المراد هنا، والشائبة يشاب بها، فكل منهما صواب. وقال الأسنوي: التعبير بالتصحيف هنا لا مدخل له، بل صوابه التحريف. (فإذا بنى) بعد قوله: بعته للبناء أو بعت حق البناء وقلنا بالأول، (فليس لمالك الجدار نقضه) أي نقض بناء المشتري، (بحال) أي لا مجانا ولا مع إعطاء أرش نقصه، لأنه يستحق الدوام بعقد لازم. نعم إن اشترى مالك الجدار حق البناء من المشتري جاز كما صرح به المحاملي وأبو الطيب، وحينئذ يتمكن من الخصلتين اللتين جوزناهما لو أعار لزوال استحقاق صاحب الجذوع.
تنبيه: سكت الشيخان عن تمكين البائع من هدم حائط نفسه ومن منع المشتري أن يبني إذا لم يكن بنى، ولا شك كما قاله الأسنوي أنه لا يتمكن منهما. ولو وجدنا الجذوع موضوعة عن الجدار ولم نعلم كيف وضعت، فالظاهر أنها وضعت بحق فلا تنقض ويقضى باستحقاقهما دائما، فلو سقط الجدار وأعيد فله إعادتها بلا خلاف، لأنا حكمنا بأنها وضعت بحق وشككنا في المجوز للرجوع، ولمالك الجدار نقضه إن كان مستهدما وإلا فلا كما في زيادة الروضة. (ولو انهدم الجدار) بعد بناء المشتري أو قبله، (فأعاده مالكه) باختياره، ولا يلزمه ذلك في الجديد، (فللمشتري) أولى منه: فللمستحق. (إعادة البناء) في الأولى وابتداؤه في الثانية بتلك الآلات وبمثلها، لأنه حق ثبت له. ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع إعادته من ماله ليبني عليه، قال الأسنوي: كان له ذلك كما صرح به جماعة، وقال السبكي: إنه قضية كلام الأصحاب.
وفهم مما قدرته في كلام المصنف أن العقد لا ينفسخ بعارض هدم أو انهدام، وهو كذلك كما ذكره في أصل الروضة لالتحاقه بالبيوع، وإن كان قضية تعليل الرافعي وقول المصنف فللمشتري اختصاص ذلك بما إذا وقع العقد بلفظ البيع ونحوه. فأما إذا أجره إجارة مؤقتة فيجري في انفساخها الخلاف في انهدام الدار المستأجرة. وخرج بانهدام ما لو هدمه شخص من مالك أو غيره فإن المشتري يطالب بقيمة حق وضع بناءه على الجدار للحيلولة بينه وبين حقه، سواء أبنى أم لا، مع غرم أرش البناء إن كان قد بنى وإلا فلا أرش، فإن أعيد الجدار استعيدت القيمة لزوال الحيلولة، وله البناءان لم يكن بنى وإعادته إن كان قد بنى.
تنبيه: لا يغرم الهادم أجرة البناء لمدة الحيلولة، قال الامام: لأن الحق على التأبيد وما لا يتقدر لا ينحط عما لا يتناهى. قال الأسنوي: وفي كلامه إشارة إلى الوجوب فيما إذا وقعت الإجارة على مدة، والمتجه عدم الوجوب، لأن
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429