فكأن لا توقيت. ولا يصح تعليق العمرى كإذا مت أو جاء فلان أو رأس الشهر فهذه الدار لك عمرك، فلو قال: إن مت فهي لك عمرك فوصية يعتبر خروجها من الثلث. (ولو قال: أرقبتك) هذه الدار مثلا (أو جعلتها لك رقبي) وفسر المصنف مدة طول ذلك بقوله: أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد) وهو الصحية ويلغو الشرط. (والقديم) وهو عدم الصحة، ومقابل المذهب القطع بالبطلان. ولا يحتاج للتفسير في عقد الرقبى بل يكفي الاقتصار على أرقبتك. نعم إن عقدها بلفظ الهبة كوهبتها لك عمرك احتيج للتفسير المذكور. والعمرى والرقبى كالعقدين في الجاهلية في عطيتين مخصوصتين، فالعمري من العمر لأنها يجعلها عمره، والرقبى من الرقوب لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه. قال السبكي: وصحة العمرى والرقبى بعيد عن القياس، لكن الحديث مقدم على كل أصل وكل قياس، وقد ورد فيهما أمر ونهي، فلو قيل بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث كما قلنا في طلاق الحائض لم يبعد وبسط ذلك، ولا بد في الرقبى من القبول والقبض كما مر في العمرى. ولو جعل رجلان كل منهما داره للآخر رقبى على أن من مات قبل الآخر عادت للآخر فرقبى من الجانبين. ثم شرع في الركن الثالث ضابطا له بضابط، فقال: (و) كل (ما جاز بيعه جاز هبته) بالأولى لأن بابها أوسع. فإن قيل: لم حذف المصنف التاء من جاز هبته؟ أجيب بأن تأنيث الهبة غير حقيقي أو لمشاكلة جاز بيعه.
تنبيه: يستثنى من هذا الضابط مسائل: منها الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر فإنه يجوز بيعها للضرورة ولا يجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره. ومنها بيع الموصوف سلما في الذمة جائز، ويمتنع هبته كوهبتك دينارا في ذمتي ثم يعينه في المجلس. ومنها المكاتب يصح بيعه ما في يده ولا تصح هبته. ومنها القيم والوصي على مال الطفل يصح منهما بيع ما له لا هبته. ومنها هبة المنافع فإنها تباع لاجارة، وفي هبتها وجهان: أحدهما أنها ليست بتمليك بناء على أن ما وهب منافعه عارية وهو ما جزم به الماوردي وغيره ورجحه الزركشي، والثاني: أنها تمليك بناء على أن ما وهب منافعه أمانة، وهو ما رجحه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما وهو الظاهر. (و) كل (ما لا) يجوز بيعه (كمجهول ومغصوب) لغير قادر على انتزاعه (وضال) وآبق (فلا) تجوز هبته بجامع أنها تمليك في الحياة.
تنبيه: يستثنى من هذا الضابط مسائل: منها ما استثناه المصنف بقوله: (إلا حبتي حنطة ونحوهما) من المحقرات كشعير، فإنهما لا يجوز بيعهما كما مر في البيع وتجوز هبتهما لانتفاء المقابل فيهما، وهذا الاستثناء مما زاده على المحرر ولم يذكره في الروضة، وقال ابن النقيب، إنه سبق قلم، ففي الرافعي في تعريف اللقطة أن ما لا يتمول كحبة حنطة وزبيبة لا يباع ولا يوهب، لكن قال الأذرعي وغيره: إن الصحيح المختار ما في المتن، وهو كذلك. ومنها ما إذا لم تعلم الورثة مقدار ما لكل منهم من الإرث، كما لو خلف ولدين أحدهما خنثى، وقد ذكر الرافعي في الفرائض أنه لو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز، قال الإمام: ولا بد أن يجري بينهم تواهب، وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة ولكنها تحتمل للضرورة. ومنها ما إذا اختلط حمام برجين فوهب صاحب أحدهما نصيبه للآخر فإنه يصح على الصحيح وإن كان مجهول القدر والصفة للضرورة، ومثل ذلك ما لو اختلطت حنطته بحنطة غيره، أو مائعه بمائع غيره، أو ثمرته بثمرة غيره. ومنها ما لو قالا: أنت في حل مما تأخذ من مالي أو تعطي أو تأكل فإنه يجوز له الاكل دون الاخذ والاعطاء لأن الاكل إباحة، وهي تصح مجهولة بخلافهما. ومنها صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها كما قاله الروياني. ومنها الطعام المغنوم من دار الحرب تجوز هبته للمسلمين بعضهم من بعض ما داموا في دار الحرب، كما يجوز لهم أكله هناك، ولا يصح لهم تبايعه، قاله الزركشي، وهذه في الحقيقة لا تستثنى، لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره، وإنما هو مباح للغانم غير مملوك. ومنها الثمار قبل بدو الصلاح تجوز هبتها من غير شرط القطع، بخلاف البيع، وكذا الزرع الأخضر