بخصوص الاجتهاد. فعن الحسين بن إسماعيل قال: قيل لأحمد بن حنبل وأنا أسمع: يا أبا عبد الله كم يكتب الرجل حتى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مائة ألف؟
قال: لا، قيل له: مائتا ألف؟ قال: لا، قيل: ثلاثمائة ألف؟ قال لا، قيل:
أربعمائة ألف؟ قال: لا، قيل: خمسمائة ألف؟ قال: أرجو " (100).
فهذا إمام السلفية يرجو لمن كتب نصف مليون حديث أن يتمكن من الإفتاء. ودعاة السلفية يطلبون من العامة وأنصاف المتعلمين ممن لم يقرأ في حياته أربعين حديثا نبويا، أن يجتهد ويأخذ الأحكام بنفسه من المصادر.
إن سيرة ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وما كتباه بخصوص التقليد والاجتهاد، لا يمكن أن يستدل بهما على ما تدعو السلفية إليه اليوم. لأن ابن تيمية إذا كان قد رفض تقليد الأئمة الأربعة فلأنه رأى في نفسه القدرة على الاجتهاد، وقد كان واسع الاطلاع على كتب الحديث والفقه، مشتغلا بتحصيل هذين العلمين وغيرهما. ومهما قيل عن اجتهاداته فإنه لم يكن عاميا وكذا تلميذه، وهما معا متفقان على أن الجاهل يرجع للعالم، وأن العامي لا بد له من الرجوع إلى الفقيه العالم إذا أراد معرفة مسألة معينة، لأنه قاصر على الوصول إليها وحده!.
إن النقاش في هذه القضية مستفيض وشائك، لكن يمكن اختصاره في جملة واحدة وهي قوله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) *.
وأبناء الصحوة الإسلامية إذا لم يكن الواحد منهم مختصا، فقيها مجتهدا، فهو لا يعلم، وعليه الرجوع إلى أهل الذكر. إلى العلماء والفقهاء. ولا يكفي فهمه للحديث إن كان قارئا، فقد يكون الحديث ضعيفا. قد يكون هناك حديث أو أحاديث أخرى في نفس القضية تنسخ هذا الحديث وتلغي مضمونه، وقد يحتاج الحديث إلى معرفة سبب وروده لكي يعرف مضمونه