غير تحرز كثير وتأويل كثير كما يفعل المعتزلة... واسم أهل السنة كان يطلق على جماعة قبل الأشعري والماتريدي. وقد حكي لنا أن جماعة كان يطلق عليها " أهل السنة " وكانت تناهض المعتزلة قبل الأشعري. ولما جاء الأشعري وتعلم على المعتزلة، اطلع أيضا على مذهب " أهل السنة " وتردد كثيرا في أي الفريقين أصح ثم أعلن انضمامه إلى " أهل السنة " وخروجه على المعتزلة (63).
وأهل السنة الذين سبقوا الأشعري هم كما ذكرنا مدرسة ابن كلاب ومناصريها أبو العباس القلانسي والمحاسبي، فهم الذين اشتهروا بالرد على المعتزلة. وأطلق الباحثون عليهم لقب " أوائل أهل السنة " (64). وعليه فإن لقب " أهل السنة " قد عرف فعلا تطورا في مفهومه الاصطلاحي وانطباقه. فلم يعد يعني " أصحاب الحديث والأثر " ومن حدا حدوهم بالتحديد، ولكنه أصبح يختص بمجموعة من العلماء قد لا يكونون ممن يشتغل بعلوم الحديث ويقفون عندها. بل ممن اشتغلوا بالكلام والرد على المعتزلة. ونحن نعلم نفور المحدثين كافة من علم الكلام وتضليل أصحابه والنهي عن الاشتغال به (65).
إن الاشتغال بعلم الكلام والرد على عقائد الاعتزال بالحجج العقلية مدعومة بالأدلة النقلية كما فعلت ذلك مدرسة ابن كلاب وأتباعها سيفجر الصراع مبكرا بين " أصحاب الحديث " و " أهل السنة الأوائل ". الممثلين في ابن كلاب والقلانسي والمحاسبي. لكن هل كان كل علماء الحديث وأصحابه على هذا الرأي، أي محاربة وذم الكلام وأصحابه؟.
إن مدرسة ابن كلاب أو " أوائل أهل السنة " إنما اشتغلوا بعلم الكلام للدفاع عن عقائد أهل الحديث والانتصار لها. واعتمادهم العقل بجانب النقل