وانتشار مذهبه في الآفاق، مدرسة كلامية في العقائد تقابل مدرسة الاعتزال.
وسيكون لها منهجها الخاص في تناول العقائد وترتيبها وتفريعها والدفاع عنها. لم يكن لأهل الحديث مدرسة فكرية عقائدية متكاملة أو مدونة يجتمعون عليها قبل الأشعري وتلامذته. إنما تشاطرتهم عدة آراء وأفكار ومعتقدات متضاربة سيتميز فيها تيار الحشو السلفي، الذي سيكون لنفسه فيما بعد مذهبا خاصا في الأصول بعد ظهور المحدث الكبير أحمد بن حنبل على الساحة الدينية الإسلامية واشتهاره.
وأتباع أبي الحسن الأشعري عندما يعرضون لمنهج أستاذهم وطريقته الجديدة التي أتى بها، لا يعتبرونه مجرد عالم بالعقائد يتبع أصحاب الحديث وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، بل أكدوا على أن منهجه هو التوفيق بين طرفين متقابلين. ولدينا شاهد واضح على ذلك هو نص طويل للجويني يذكره ابن عساكر في " تبيينه ". فالقاضي المشهور يبين كيف اتبع إمامه، في أمهات المسائل طريقا وسطا بين إفراط المعتزلة وتفريط الحشوية، وهم في الحقيقة من غلاة الحنابلة (67).
ويرى الدكتور مصطفى الشكعة أن الإمام أبا الحسن الأشعري قد استطاع أن يصدر أحكاما في قضايا العقائد في جو من الاعتدال والصفاء بعيدا عن التهور والاندفاع، بالرغم من أن بعض الفقهاء ارتابوا في عقيدته وأن " الحنابلة " رموه بالكفر، فإن ذلك لم ينهض دليلا على زيغه (68) بل نصره كبار العلماء كأبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين الجويني والإسفرائيني وغيرهم من الأعلام الذين تبنوا أفكاره بعد موته. وقد سمي هؤلاء الأعلام رأي الأشعري بمذهب " أهل السنة والجماعة " (69). ويعزز ابن خلدون المؤرخ هذا الرأي كذلك،