أخذوا بعدهم في بث ما عندهم من الأساطير، بين من تروج عليهم، ممن لم يتهذب بالعلم من أعراب الرواة وبسطاء مواليهم. فتلقفوها منهم ورددها الآخرون بسلامة باطن، معتقدين ما في أخبارهم جانب الله من التجسيم والتشبيه، ومستأنسين بما كانوا عليه من الاعتقاد في جاهليتهم، وقد يرفعونها افتراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو خطأ، فأخذ التشبيه يتسرب إلى معتقدات الطوائف ويشيع شيوع الفاحشة (43). وهنا نشأ الحشو (44)، وترعرع ونما، حيث تم إدخال الكثير من عقائد أهل الكتاب خاصة، إلى الإسلام عن طريق الحديث النبوي، وتلقفها بسطاء الرواة وغيرهم على أنها عقائد الإسلام جاءت على لسان الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا عرفنا أن هذه الحركة كانت ملازمة لظهور الفتن السياسية في المجتمع الإسلامي الناشئ، وانتصار الأمويين في نهاية المطاف، وتسلمهم لسدة الحكم. يتبين لنا مدى انتشار هذه الظاهرة وتغلغلها في تفكير المسلمين آنذاك.
وملوك بني أمية بدءا من معاوية بن أبي سفيان وإلى آخرهم (45)، لم يولوا أي اهتمام للدفاع عن عقائد المسلمين، أو محاولة الوقوف أمام خصومها من يهود ونصارى، فما كان يهم بني أمية هو الجانب السياسي، وتثبيت الملك العضوض بأي وسيلة، بل كان فسح المجال لأحبار اليهود والنصارى وغيرهم من دعاة الملل والنحل السالفة، إحدى الوسائل التي ركبها ملوك بني أمية لتوطيد ملكهم. فتزعموا القول بالجبر وشجعوا الأعراب من الرواة على التحديث بذلك، فاختلق هؤلاء من الأحاديث والروايات التي نسبوها للرسول (ص) الشئ الكثير. سيكون فيما بعد معتمد الحشوية من أهل